وخامسها : أنهم لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، كما يفعله أهل الكتاب ممن كان يكتم أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) «أولئك» مبتدأ ، وأما (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها : أن يكون «لهم» خبرا مقدّما ، و «أجرهم» مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر الأول ، وعلى هذا فالظرف فيه وجهان :
الأول : أنه متعلق ب «أجرهم».
الثاني : أنه حال من الضمير في «لهم» وهو ضمير الأجر ، لأنه واقع خبرا.
ثانيها : أن يرتفع «أجرهم» بالجارّ قبله ، وفي الظرف الوجهان ، إلا أنّ الحال من «أجرهم» الظاهر ؛ لأن «لهم» لا ضمير فيه حينئذ.
ثالثها : أن الظرف هو خبر «أجرهم» و «لهم» متعلق بما تعلّق به هذا الظرف من الثبوت والاستقرار. ومن هنا إلى آخر السورة تقدم إعراب نظائره.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٢٠٠)
قال ابن الخطيب : «ختم هذه السورة بهذه الآية المشتملة على جميع الآداب ، وذلك لأن أحوال الإنسان قسمان : منها ما يتعلق به وحده ، ومنها ما يكون مشتركا بينه وبين غيره ، أما القسم الأول فلا بدّ فيه من الصّبر ، وأما القسم الثاني فلا بد فيه من المصابرة».
قال الحسن : اصبروا على دينكم ، فلا تدعوه لشدّة لا رخاء.
وقال قتادة : اصبروا على طاعة الله ، وصابروا أهل الضلالة ، ورابطوا في سبيل الله.
وقال الضحاك ، ومقاتل بن سليمان : على أمر الله. وقال مقاتل بن حيان : على فرائض الله. وقال زيد بن أسلم : على الجهاد. وقال الكلبيّ على البلاء.
واعلم أن الصبر يدخل تحته أنواع : الصبر على مشقّة النظر والاستدلال على الطاعات ، وعلى الاحتراز عن المنهيّات ، وعلى شدائد الدّنيا من الفقر ، والقحط والخوف ، وأما المصابرة فهي تحمّل المكاره الواقعة بينه وبين غيره ، كتحمّل الأخلاق الرديئة من أهله وجيرانه وترك الانتقام كقوله تعالى : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف : ١٩٩] وإيثار الغير على نفسه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقوله : (اصْبِرُوا وَصابِرُوا) من الجناس اللفظي ، وكذلك قوله : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ) [التوبة : ٣٨](وَصابِرُوا) يعني الكفار ، (وَرابِطُوا) يعني المشركين.
قال أبو عبيدة : «أي : اثبتوا وداوموا» والربط : الشد ، وأصل المرابطة : أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم بحيث يكون كل من الخصمين مستعدا لقتال الآخر ثم قيل