ثانيهما : أنّ المراد منه كونهم في جملة أتباع الأبرار ، كقوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) [النساء : ٦٩].
فصل
احتجوا بهذه الآية على حصول العفو بدون التوبة من وجهين :
الأول : أنهم طلبوا المغفرة مطلقا ، ثم أجابهم الله تعالى بقوله : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) [آل عمران : ١٩٥] وهذا صريح في أنه ـ تعالى ـ قد يغفر الذنب وإن لم توجد التوبة.
الثاني : أنه ـ تعالى ـ حكى عنهم إخبارهم بإيمانهم ، ثم قالوا : (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) فأتى بفاء الجزاء وهذا يدلّ على أنّ مجرد الإيمان سبب لحسن طلب المغفرة من الله تعالى ، ثمّ إنّ الله تعالى أجابهم بقوله : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) فدلت هذه الآية على أنّ مجرد الإيمان سبب لحصول الغفران ، إما ابتداء ـ بأن يعفو عنهم ، ولا يدخلهم النار ـ أو بأن يعذّبهم مدة ، ثم يعفو عنهم ، ويخرجهم من النار.
قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) في هذا الجارّ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلق ب «وعدتنا».
قال الزمخشريّ : «على ـ هذه ـ صلة للوعد ، كما في قولك : وعد الله الجنّة على الطّاعة ، والمعنى : ما وعدتنا على تصديق رسلك».
ثانيها : أنه متعلق بمحذوف ، على أنه حال من المفعول ، وقدّره الزمخشريّ بقوله : ما وعدتنا منزّلا على رسلك ، أو محمولا على رسلك ؛ لأنّ الرّسل محمّلون ذلك قال تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) [النور : ٥٤].
وردّ عليه أبو حيّان : بأنّ الذي قدّره محذوفا كون مقيّد ، وقد علم من القواعد أنّ الظرف والجارّ إذا وقعا حالين ، أو وصفين ، أو خبرين ، أو صلتين تعلّقا بكون مطلق ، والجار ـ هنا ـ وقع حالا ، فكيف يقدر متعلقه كونا مقيّدا ، وهو منزّل ، أو محمول؟
ثالثها : ـ ذكره أبو البقاء ـ أن يتعلق «على» ب «آتنا» وقدر مضافا محذوفا ، فقال: على ألسنة رسلك وهو حسن. وقرأ الأعمش : على رسلك ـ بسكون السّين.
فإن قيل : إن الخلف في وعد الله ـ تعالى ـ محال ، فكيف طلبوا ما علموا أنه واقع لا محالة؟
فالجواب من وجوه :
الأول : أنه ليس المقصود من الدعاء طلب الفعل ، بل المقصود منه إظهار الخضوع والذّلّة والعبودية ، وقد أمرنا بالدعاء بأشياء نقطع بوجودها لا محالة ، كقوله : (قالَ رَبِ