رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ) دعوا إلى الشّرك ، (أُرْكِسُوا فِيها) أي : رجعوا ، وعادوا إلى الشّرك.
وقرأ عبد الله (١) : «ركسوا فيها» ثلاثيّا مخفّفا ، ونقل ابن جنيّ عنه : «ركّسوا» بالتّشديد. وقرأ ابن وثاب والأعمش (٢) : «ردوا» بكسر الرّاء ؛ لأن الأصل : «رددوا» فأدغم ، وقلبت (٣) الكسرة على الرّاء (٤) ، وقوله : (إِلَى الْفِتْنَةِ) إلى الكفر (أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ (٥) يَعْتَزِلُوكُمْ) : أي : فإن لم يكفّوا عن قتالكم حتّى تسيروا إلى مكّة : (وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) أي : المفاداة والصّلح ، (وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ) ولم يقبضوا أيديهم من قتالكم ، «فخذوهم» ، أسرى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي : وجدتموهم ، (وَأُولئِكُمْ) أي : أهل هذه الصّفة (جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أي : حجّة بيّنة ظاهرة بالقتل والقتال ، وهذه الآية تدلّ على أنّهم إذا اعتزلوا قتالنا وطلبوا الصّلح منّا ، وكفوا أيديهم عن إيذائنا ، لم يجز لنا قتالهم ، ونظيره قوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) [الممتحنة : ٨] ، وقوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [البقرة : ١٩٠].
قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(٩٢)
(٥) كما رغّب في مقاتلة الكفّار ، ذكر بعدها ما يتعلّق بالمحاربة ، ولا شكّ أنّه قد يتّفق أن يرمي (٦) الرّجل رجلا يظنّه كافرا حربيّا فيقتله ، ثم يتبين (٧) أنّه مسلم ، فذكر الله ـ تعالى ـ حكم هذه الواقعة.
قوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ).
قد تقدّم الكلام في نظير هذا التّركيب عند قوله ـ تعالى ـ : (ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) [البقرة : ١١٤]. وقوله : (إِلَّا خَطَأً) فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه استثناء منقطع ـ وهو قول الجمهور ـ إن أريد بالنّفي معناه ، ولا يجوز أن يكون متّصلا ، إذ يصير المعنى : إلا خطأ فله قتله.
والثاني : أنه متصل إن أريد بالنّفي التحريم ، ويصير المعنى : إلا خطأ بأن عرفه أنّه كافر فقتله ، ثم كشف الغيب أنه كان مؤمنا.
__________________
(١) تقدمت.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٣٢.
(٣) في أ : ونقلت.
(٤) في أ : الياء.
(٥) سقط في ب.
(٦) في ب : يرى.
(٧) في أ : بين.