وقال ابن مسعود (١) «بالفاحشة» هي الفعلة القبيحة.
قال أهل اللّغة هي مصدر كالعاقبة والعافية ، يقال : فحش الرّجل بمعنى تفحش فحشا وفاحشة (٢) وأفحش إذا جاء بالقبيح من القول والفعل ، وأجمعوا على أنّ المراد بالفاحشة هنا الزّنا ، وإنّما تطلق الفاحشة على الزّنا لزيادتها في القبح على كثير من القبائح.
فإن قيل : الكفر أقبح منه ، وقتل النفس أقبح منه ، ولا يسمّى ذلك فاحشة؟
فالجواب من وجهين :
الأوّل : أنّ الكفر لا يستحقه الكافر من نفسه ولا يعتقده قبحا (٣) ، بل يعتقده صوابا ، وكذلك المقبل على الشجاعة يقدم عليها من يراها حسنة وأمّا الزّنا ففاعله يعلم قبحه [ويقدم عليه](٤) ويوافق على فحشه.
الثاني : قال ابن الخطيب (٥) : إنّ القوى المدبرة لقوى الإنسان ثلاثة القوى النّاطقة ، والقوّة الغضبية ، والقوّة الشّهوانية وفساد القوّة النّاطقة هو الكفر والبدعة وما يشبههما ، وفساد القوّة الغضبية هو القتل وما يشبهه وأخس (٦) هذه القوى الثلاثة القوة الشّهوانية فلا جرم كان فسادها أخس أنواع الفساد ، فلهذا السبب خصّ هذا العمل بالفاحشة.
فصل في شهود الزنا
قوله : (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي : من المسلمين فجعل الله الشهادة على الزنا خاصة بأربعة تغليظا على المدّعي وسترا على العباد.
وقال القرطبيّ (٧) : وتعديل الشهود بأربعة في الزّنا حكم ثابت في التّوراة والإنجيل والقرآن (٨) ؛ قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ) [النور : ٤] وقال هنا : (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله : جاءت اليهود برجل وامرأة زنيا ، فقال عليهالسلام : «ائتوني بأعلم رجلين (٩) منكم» ، فأتوه بابني صوريا فنشدهما : كيف تجدان أمر هذين في التّوراة؟ قالا : نجد في التّوراة إذا شهد أربعة أنّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما قال : فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا : ذهب سلطاننا فكرهنا القتل ؛ فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الشّهود فشهدوا أنّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم برجمهما.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢١ ، والبحر المحيط ٣ / ٢٠٥.
(٢) في ب : وأفحش.
(٣) في ب : قبيحا.
(٤) سقط في ب.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٨٦.
(٦) في ب : أحسن.
(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٥٦.
(٨) في ب : والفرقان.
(٩) في أ : رجل.