المعمول ، وهو «إيّاهم» حيث لا يتقدّم العامل ؛ لأن الخبر متى كان فعلا رافعا لضمير مستتر ، امتنع تقديمه على المبتدأ ، لئلا يلتبس بالفاعل ، نحو : زيد ضرب عمرا ، وأصل منشأ هذا البحث تقديم خبر «ليس» عليها ، أجازه الجمهور ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] ووجه الدّليل أن «يوم» معمول ل «مصروفا» وقد تقدّم على «ليس» ، وتقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل ، فعورضوا بما ذكرنا.
فصل في تفسير القول البليغ
قيل المراد ب «القول البليغ» : التّخويف بالله ـ عزوجل ـ ، وقيل : توعّدهم بالقتل إن لم يتوبوا.
وقال الحسن : القول البليغ أن يقول لهم : إن أظهرتم ما في قلوبكم من النّفاق ، قتلتم ؛ لأنه يبلغ في نفوسهم كلّ مبلغ.
وقال الضّحّاك : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ) في الملأ [الأعلى](١) ، (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) في السّرّ والخلاء.
وقيل : هذا منسوخ بآية القتال.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا
__________________
ـ والثالث : مذهب الكوفيين : وهو جواز تقدمه مطلقا ؛ لأن معمول الفعل عندهم في حكم معموله ، والخبر قد سبق أنه يجوز إيلاؤه الفعل ، وتقدمه على الاسم ، فكذلك معموله ، وقد احتجوا لمذهبهم بقول الفرزدق يهجو قوم جرير بالفجور والخيانة :
قنافذ هدّاجون حول بيوتهم |
|
ما كان إياهم عطية عودا |
ووجه الحجة منه : أن إياهم «معمول لعوّد» الذي هو ضمير «كان» ؛ وقد وليها ، وتقدم على «عطية» الذي هو الاسم ، مع أنه ليس بظرف ولا جار ومجرور ، وإذا جاز ذلك مع تقدم المعمول وحده فلأن يجوز مع تقدم معموله وهو الخبر من باب أولى.
والذي قاله البصريون في هذا البيت : هو أنه لا يدلّ على جواز تقديم المعمول إذا كان غير ظرف ولا جار ومجرور ، فهم يقولون : «إن «عطية» ليس اسما ل «كان» ولهم في البيت توجيهات :
أحدها : أن يكون اسم «كان» ضمير الشأن ، و «عطية» ، مبتدأ وجملة «عودا» خبره ، وجملة المبتدأ وخبره خبر «كان» ، فلم يتقدم معمول خبرها على اسمها.
ثانيها : أن يكون «كان» زائدة ، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها صلة «ما».
ثالثها : أن يكون اسم «كان» ضميرا مستترا يعود على «ما» الموصولة ، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب خبر «كان» ، وجملة «كان» ومعمولها لا محل لها صلة الموصول ، والعائد محذوف ، والتقدير : ما كان عطية عودهم به.
ومنهم من يقول : إن هذا البيت من الضرورات التي تباح للشاعر ، وإذن فلا يحتج به ، ومما يشهد لما ذهب إليه الكوفيون أيضا قوله الشاعر :
لئن كان سلمى الشيب بالصدّ مغريا |
|
لقد هون السلوان عنها التحلم |
(١) سقط في ب.