قوله : (إِنْ يُرِيدا) يجوز أن يعود الضميران في (إِنْ يُرِيدا) و (بَيْنِهِما) على الزّوجين ، أي : إن يرد الزّوجان إصلاحا يوفّق الله بين الزوجين ، وأن يعودا على الحكمين ، وأن يعود الأوّل على الحكمين ، والثّاني على الزّوجين ، وأن يكون بالعكس وأضمر الزّوجان وإن لم يجر لهما ذكر لدلالة ذكر الرّجال والنّساء عليهما. وجعل أبو البقاء (١) الضّمير في (بَيْنِهِما) عائدا على الزّوجين فقط ، سواء قيل بأن ضمير (يُرِيدُ اللهُ) عائدا على الحكمين ، أو الزوجين.
فصل
قال القرطبيّ (٢) : ويجزي إرسال الواحد قال : لأن الله ـ تعالى ـ حكم في الزنا بأربعة شهود ، ثم أرسل النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المرأة الزّانية أنيسا وحده ، وقال له : «إن اعترفت فارجمها» قال : وإذا جاز إرسال الواحد فلو حكّم الزوجان واحدا أجزأ إذا رضيا بذلك ، وإنما خاطب الله الحكام دون الزوجين ، فإن أرسل الزوجان حكمين وحكما نفذ حكمهما ؛ لأن التحكيم عندنا جائز ، وينفذ فعل الحكم في كل مسألة ، إذا كان كل واحد منهما عدلا.
وأصل التوفيق الموافقة ، وهي المساواة في أمر من الأمور ، فالتّوفيق اللّطف الذي يتفق عنده فعل الطاعة. ثم قال (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) والمراد : الوعيد للزّوجين والحكمين في طريق سلوك المخالف الحق.
قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً)(٣٦)
لمّا أرشد كلّ واحد من الزّوجين إلى المعاملة الحسنة [مع الآخر ، أرشد في هذه الآية إلى سائر الأخلاق الحسنة](٣) وذكر منها [ههنا](٤) عشرة أنواع :
الأول : قوله ـ تعالى ـ : (وَاعْبُدُوا اللهَ) قال ابن عبّاس : وحّدوه (٥) ، واعلم أن العبادة عبارة عن كل عمل يؤتى به لمجرّد أمر الله ـ تعالى ـ بذلك ، ولما أمر بالعبادة ، أمر بالإخلاص فيها : فقال (٦)(وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً).
__________________
(١) ينظر الإملاء ١ / ١٧٩.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١١٦.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١٠ / ٧٦) عن ابن عباس.
(٦) في أ : يقول.