ثالثها : أنها حال من ضمير المفعول ، أي : مثابين.
رابعها : أنه حال من الضمير في «تجري» العائد على «جنّات» وخصّص أبو البقاء كونه حالا بجعله بمعنى الشيء المثاب به ، قال : وقد يقع بمعنى الشيء المثاب به ، كقولك : هذا الدرهم ثوابك ، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من [ضمير الجنّات ، أي : مثابا بها ، ويجوز أن يكون حالا من](١) ضمير المفعول به في (لَأُدْخِلَنَّهُمْ).
خامسها : نصبه بفعل محذوف ، أي : نعطيهم ثوابا.
سادسها : أنه بدل من «جنّات» وقالوا : على تضمين (لَأُدْخِلَنَّهُمْ) لأعطينّهم ، لما رأوا أنّ الثواب لا يصح أن ينسب إليه الدخول فيه ، احتاجوا إلى ذلك.
ولقائل أن يقول : جعل الثواب ظرفا لهم ، مبالغة ، كما قيل في قوله : (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر : ٩].
سابعها : أن نصب على التمييز ، وهو مذهب الفرّاء.
ثامنها : أنه منصوب على القطع ، وهو مذهب الكسائيّ ، إلا أن مكّيا لما نقل هذا عن الكسائي فسّر القطع بكونه على الحال ، وعلى الجملة فهذان وجهان غريبان.
وقوله : (مِنْ عِنْدِ اللهِ) صفة له ، وهذا يدل على كون ذلك الثّواب في غاية الشرف ، كقول السلطان العظيم : أخلع عليك خلعة من عندي.
قوله : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) الأحسن أن يرتفع (حُسْنُ الثَّوابِ) على الفاعلية بالظرف قبله ؛ لاعتماده على المبتدأ قبله ، والتقدير : والله استقر عنده حسن الثّواب.
ويجوز أن يكون مبتدأ ، والظرف قبله خبره ، والجملة خبر الأول.
وإنما كان الوجه الأول أحسن ؛ لأنّ فيه الإخبار بمفرد ـ وهو الأصل ـ بخلاف الثّاني ، فإنّ الإخبار فيه بجملة وهذا تأكيد لكون ذلك الثواب في غاية الشرف.
قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ)(١٩٧)
الغرور : مصدر قولك : غررت الرجل بما يستحسنه في الظاهر ، ثم يجده ـ عند التفتيش ـ على خلاف ما يحب.
نزلت في المشركين ، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وتنعم ، فقال بعض المؤمنين : إنّ أعداء الله فيما نرى من الخير ، ونحن في الجهد ، فأنزل الله هذه الآية : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا) في ضربهم (فِي الْبِلادِ) وتصرّفهم في الأرض للتجارات وأنواع المكاسب. فالخطاب مع النبي صلىاللهعليهوسلم والمراد منه غيره.
__________________
(١) سقط في أ.