كان واللام عندهم هي العاملة النصب في الفعل بنفسها ، لا بإضمار «أن» والتقدير عندهم : ما كان الله ليذر المؤمنين.
وضعّف أبو البقاء مذهب الكوفيين بأنّ النصب قد وجد بعد هذه اللام ، فإن كان النصب بها نفسها فليست زائدة ، وإن كان النصب بإضمار «أن» فسد من جهة المعنى لأن «أن» وما في حيزها بتأويل مصدر ، والخبر في باب «كان» هو الاسم في المعنى ، فيلزم أن يكون المصدر ـ الذي هو معنى من المعاني ـ صادقا على اسمها ، وهو محال.
وجوابه : أما قوله : إن كان النصب بها فليست زائدة ممنوع ؛ لأن العمل لا يمنع الزيادة ، ألا ترى أنّ حروف الجرّ تزاد ، وهي عاملة وكذلك «أن» عند الأخفش ، و «كان» في قول الشاعر : [الوافر]
١٧٠٠ ـ ............ |
|
وجيران لنا كانوا كرام (١) |
كما تقدم تحقيقه و «يذر» فعل لا يتصرف ـ كيدع ـ استغناء عنه بتصرّف [مرادفه](٢) ـ وحذفت الواو من «يذر» من غير موجب تصريفي ، وإنما حملت على «يدع» لأنها بمعناها ، و «يدع» حذفت منه الواو لموجب ، وهو وقوع الواو بين ياء وكسرة مقدرة وأما الواو في «يذر» فوقعت بين ياء وفتحة أصلية. وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) [البقرة : ٢٨٧].
فصل
وجه النظم : أن هذه الآية من بقية قصة أحد ، فأخبر ـ تعالى ـ أن الأحوال التي وقعت في تلك الحادثة ـ من القتل والهزيمة ، ثم دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم إياهم إلى الخروج إلى العدو مع ما كان بهم من الجراحات ، ثم دعاهم مرة أخرى إلى بدر الصّغرى ، لموعد أبي سفيان ـ دليل على امتياز المؤمنين من المنافقين ، فأخبر ـ تعالى ـ بأنه لا يجوز ـ في حكمته ـ أن يترككم على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم ، وإظهارهم أنهم منكم ـ بل يجب في حكمته أن يميّز الخبيث ـ وهو المنافق ـ من الطيب ـ وهو المؤمن ـ.
فصل في سبب النزول
قال الكلبيّ : قالت قريش : يا محمد ، تزعم أن من خالفك ، فهو في النّار ، والله عليه غضبان ، وأن من اتبعك ، وهو على دينك ، فهو في الجنّة ، والله عنه راض. فأخبرنا بمن يؤمن بك ، ومن لا يؤمن ؛ فأنزل الله هذه الآية (٣).
وقال السّديّ : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «عرضت عليّ أمّتي في صورتها في العلّيّين ، كما
__________________
(١) تقدم برقم ٨٢٥.
(٢) في أ : مراده.
(٣) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ٣ / ١٣٠.