هاتين الحالتين ، أو لأن حدته تفسد بالبلل ، ولمّا رخّص في وضع السّلاح](١) حال المطر والمرض ، أمر بالتّيقّظ والحذر ؛ لئلّا يهجم العدو عليهم.
روى الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ نزلت في رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنّه غزا محاربا وبني أنمار ، فنزلوا ولا يرون من العدوّ أحدا ، فوضع النّاس أسلحتهم ، وخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحاجة له قد وضع سلاحه ، حتى قطع الوادي والسّماء ترشّ ، فحال الوادي بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين أصحابه ؛ فجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ظلّ شجرة ، فبصر به غورث بن الحارث المحاربي ، فقال : قتلني الله إن لم أقتله ، ثم انحدر من الجبل ومعه السّيف ، فلم يشعر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا وهو قائم على رأسه ، ومعه السيف قد سلّه من غمده ، فقال : يا محمّد من يعصمك مني الآن؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الله ، ثم قال : اللهم اكفني غورث بن الحارث بما شئت ، ثم أهوى بالسّيف إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليضربه ، فانكب لوجهه من زلخة زلخها بين كتفيه ، وندر سيفه ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذه ، ثم قال : يا غورث ، من يمنعك منّي الآن؟ قال : لا أحد ، قال : تشهد ألا إله إلّا الله ، وأن محمّدا عبده ورسوله ، وأعطيك سيفك؟ قال : لا ولكن أشهد ألا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوّا ، فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم سيفه ، فقال غورث : والله أنت خير منّي ، فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : أجل أنا أحقّ بذلك منك ، فرجع غورث إلى أصحابه ، فقالوا : ويلك ما منعك منه ، قال : لقد أهويت إليه بالسّيف لأضربه فو الله ما أدري من زلخني بين كتفي فخررت لوجهي ، وذكر حاله قال : وسكن الوادي ، فقطع رسول الله صلىاللهعليهوسلم الوادي أصحابه فأخبرهم الخبر ، وقرأ هذه الآية : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) أي : من عدوّكم (٢) ، وقال سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في هذه الآية : كان عبد الرّحمن بن عوف جريحا (٣).
فصل
أمر أولا بأخذ الحذر والأسلحة ، فدلّ على وجوبه ، ويؤكّده قوله ههنا : لا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى [أن تضعوا أسلحتكم](٤) فخصّ (٥) رفع الجناح في وضع السّلاح بهاتين الحالتين ، وذلك يدلّ على أنّ ما عدا هاتين الحالتين ، يكون الإثم والجناح حاصلا بسبب وضع السّلاح. وقال بعضهم : إنه سنّة مؤكّدة ، ثم الشّرط : ألّا يحمل
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٤٧٥.
(٣) أخرجه البخاري كتاب التفسير : باب سورة النساء حديث (٤٥٩٩) والحاكم (٢ / ٣٠٨) والطبري في «تفسيره» (٩ / ١٦٣) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : فعنى.