والثاني : أنه متعلّق (١) بمحذوف فهو في محلّ نصب ؛ لأنه صفة ل (حَرَجاً ،) و «ما» يجوز أن تكون مصدريّة [وأن تكون بمعنى الّذي ، أي : حرجا من قضائك ، أو من الّذي قضيته](٢) ، وأن تكون [نكرة](٣) موصوفة ، فالعائد على هذين القولين محذوف.
فصل
أقسم الله ـ تعالى ـ على أنّهم لا يصيرون مؤمنين إلا عند شرائط :
أولها : (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ،) وهذا يدلّ على أنّ من لم يرض بحكم الرّسول ، ـ [عليه الصلاة والسلام](٤) ـ لا يكون مؤمنا.
وثانيها : قوله : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ (٥) حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ).
قال الزجاج (٦) : لا تضيق صدورهم من أقضيتك ، وقال مجاهد : شكّا (٧) ، وقال الضّحّاك : إثما ، أي : يأثمون بإنكارهم (٨).
وثالثها : قوله : (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي : ينقادوا للأمر كحال الانقياد ، واعلم أن قوله : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) المراد منه : الانقياد في الباطن ، وقوله (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) المراد منه : الانقياد في الظّاهر ، والحرج على ثلاثة أوجه :
الأول : بمعنى الشّكّ ؛ كهذه الآية ، [و](٩) مثله : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) [الأعراف : ٢] أي : شك.
والثاني : بمعنى الضّيق ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: ٧٨] أي ضيق.
الثالث : بمعنى الإثم ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) [التوبة : ٩١] أي : إثم.
فصل في عصمة الأنبياء
دلّت هذه الآية على عصمة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ عن الخطإ في الفتاوى والأحكام ؛ لأنه ـ تعالى ـ أوجب الانقياد لحكمهم ، وبالغ في ذلك الإيجاب ، وبيّن أنه لا
__________________
(١) في ب : أن يتعلق.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٣٢.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥١٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٣) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد. والبغوي ١ / ٤٤٩.
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥١٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٣) وزاد نسبته لابن المنذر. والقرطبي ١ / ١٧٤.
(٩) سقط في ب.