ففيها] خلاف : هل يحتاج إلى اقترانه ب «قد» أم لا؟ والراجح عدم الاحتياج ؛ لكثرة ما جاء منه ، فعلى هذا لا تضمر «قد» قبل «حصرت» ، ومن اشترط ذلك ، قدّرها هنا.
والثالث : أنّ «حصرت» صفة لحال محذوفة ، تقديره : أو جاءوكم قوما حصرت صدورهم ورجالا حصرت صدورهم ، فنصب لأنّه صفة موصوف منصوب على الحال ، إلّا أنه حذف الموصوف المنتصب على الحال ، وأقيمت صفته مقامه وسمّاها أبو البقاء (١) حالا موطّئة ، وهذا الوجه يعزى للمبرّد أيضا.
الرابع : أن يكون في محلّ جرّ صفة لقوم بعد صفة ، و (أَوْ جاؤُكُمْ) معترض.
قال أبو البقاء : يدلّ عليه قراءة من أسقط «أو» وهو أبيّ ، كذا نقله عنه أبو حيّان والذي في إعرابه إسقاط (أَوْ جاؤُكُمْ) جميعه ، وهذا نصّه (٢) قال : «أحدهما : هو جرّ صفة لقوم ، وما بينهما صفة أيضا ، و «جاءوكم» معترض ، وقد قرأ بعض الصّحابة : «بينكم وبينهم ميثاق حصرت صدورهم» ، بحذف (أَوْ جاؤُكُمْ) هذا نصّه ، وهو أوفق لهذا الوجه.
الخامس : أن يكون بدلا من «جاءوكم» بدل اشتمال ؛ لأن المجيء مشتمل على الحصر وغيره ، نقله أبو حيان عن أبي البقاء أيضا.
السادس : أنه خبر بعد خبر ، وهذه عبارة الزّجّاج (٣) ، يعني : أنها جملة مستأنفة ، أخبر بها عن ضيق صدور هؤلاء عن القتال بعد الإخبار عنهم بما تقدّم.
قال ابن عطية بعد حكاية قول الزّجّاج : «يفرّق بين الحال وبين خبر مستأنف في قولك : «جاء زيد ركب الفرس» أنك إذا أردت الحال بقولك : «ركب الفرس» قدّرت «قد» ، وإن أردت خبرا بعد خبر ، لم تحتج إلى تقديرها».
السّابع : أنه جواب شرط مقدّر ، تقديره : إن جاءوكم حصرت [صدورهم] ، وهو رأي الجرجانيّ ، وفيه ضعف ؛ لعدم الدّلالة على ذلك.
وقرأ الجمهور : «حصرت» فعلا ماضيا ، وقرأ الحسن ، وقتادة (٤) ، ويعقوب : «حصرة» نصبا على الحال بوزن «نبقة» ، وهي تؤيّد كون «حصرت» حالا (٥) ، ونقلها المهدوي عن
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٠.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٩.
(٣) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٩٦.
(٤) وهي قراءة مصحف أبيّ.
ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٩٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٢٩ ، ٣٣٠ وفيه إسقاط «أو» فقط على أنها قراءة أبي.
وينظر : الدر المصون ٢ / ٤١١.
(٥) احتج الكوفيون بهذه الآية : أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ على جواز وقوع الفعل الماضي حالا ، واحتجاجهم بتلك الآية مردود من أربعة أوجه :
الوجه الأول : أن تكون صفة ل «قوم» ، المجرور في أول الآية ، وهو قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ)
والوجه الثاني : أن تكون صفة ل «قوم» مقدر ، ويكون التقدير فيه : «أو جاؤوكم قوما حصرت ـ