قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ) متعلّق بالأمر في قوله : (آمِنُوا) ونطمس يكون متعدّيا ومنه هذه الآية ؛ ومثلها : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) [المرسلات : ٨] لبنائه للمفعول من غير [حرف](١) جرّ ، ويكون لازما ، يقال : طمس المطر الأعلام ، وطمست الأعلام.
قال كعب : [البسيط]
١٨٠٨ ـ من كلّ نضّاخة الذّفرى إذا عرقت |
|
عرضتها طامس الأعلام مجهول (٢) |
وقرأ الجمهور : (نَطْمِسَ) بكسر الميم ، وأبو رجاء (٣) بضمّها ، وهما لغتان في المضارع ، وقدّر بعضهم مضافا أي : «عيون وجوه» ويقوّيه (٤) أن الطّمس للأعين (٥) ؛ قال ـ تعالى ـ : (لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) [يس : ٦٦].
فصل في معنى الطمس والخلاف فيه
الطمس : المحو ؛ تقول العرب في وصف المفازة : إنها طامسة الأعلام ، وطمس الطّريق إذا درس ، وقد طمس الله على بصره ؛ إذا أزاله ، وطمست الرّيح الأثر : إذا محته ، وطمست الكتاب : إذا محوته ، واختلفوا في المراد بالطّمس هنا.
فقال ابن عباس : نجعلها كخفّ البعير (٦).
وقال قتادة والضّحّاك : نعميها (٧).
وقيل : نمحو آثارها وما فيها من أعين (٨) ، وأنف ، وفم ، وحاجب.
وقيل : نجعل الوجوه منابت الشّعر ، كوجوه القردة (٩) ، وقيل : يجعل عينيه في القفا ؛ فيمشي القهقرى ، وقيل : المراد ب «الوجوه» : الوجهاء ، والرؤساء (١٠).
وروي : أنّ عبد الله بن سلام ، لمّا سمع هذه الآية ؛ جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قبل أن يأتي أهله ، ويده على وجهه ، وأسلم ، وقال : يا رسول الله ، ما كنت أرى أن أصل إليك ؛ حتّى يتحول وجهي إلى قفاي (١١) ؛ وكذلك كعب الأحبار ، لمّا سمع هذه الآية ، أسلم في زمن عمر ، فقال : يا ربّ ، آمنت ، يا ربّ ، أسلمت ؛ مخافة أن يصيبه ـ وعيد هذه ـ الآية (١٢).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٧٨ ، والدر المصون ٢ / ٣٧٥.
(٤) في أ : ويقولون.
(٥) في أ : للعين.
(٦) انظر : البحر المحيط (٣ / ٢٧٨).
(٧) المصدر السابق.
(٨) في ب : عين.
(٩) انظر تفسير «البحر المحيط» لأبي حيان (٣ / ٢٧٨).
(١٠) في أ : الوجه والرؤس.
(١١) انظر تفسير ابن عباس ص ٧١ ، غرائب النيسابوري (٥ / ٦٤).
(١٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٤٤٦) عن عيسى بن المغيرة.