«يبخلون» وفي القراءة بالتاء حذفت البخل قبل إتيان «يبخلون» وجعلت ما في صلة «الذين» تفسير ما قبل الصلة ، فالقراءتان متوازيتان في القوة والضّعف».
والميراث : مصدر كالميعاد ، وياؤه منقلبة عن واو ، لانكسار ما قبلها ـ وهي ساكنة ـ لأنها من الوراثة كالميقات والميزان ـ من الوقت والوزن ـ وقرأ أبو عمرو وابن كثير «يعملون» بالغيبة ، جريا على قوله : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ)(١) ـ والباقون بالخطاب ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنه التفات ، فالمراد : الذين يبخلون.
الثاني : أنه ردّ على قوله : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا).
فصل
الآية دالّة على ذمّ البخل بشيء من الخيرات سواء كان مالا أو علما.
فإن كان على البخل بالمال فالمعنى : لا يحسبن البخلاء أن بخلهم هو خير لهم ، بل هو شرّ لهم ، لأن المال يزول ، ويبقي عقاب بخلهم عليهم ، كما قال : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وهذا هو المراد من قوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال ابن مسعود وابن عباس ، وأبو وائل والشعبيّ والسّدّي : يجعل ما منعه من الزكاة حيّة يطوّق بها في عنقه يوم القيامة تنهشه من رأسه إلى قدمه (٢).
وإن كان المراد البخل بالعلم ؛ فلأنّ اليهود كانوا يكتمون نعت محمد صلىاللهعليهوسلم فكان ذلك الكتمان بخلا ، ولا شك أن العلم فضل من الله.
والقول الأول أولى ؛ لقوله تعالى : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وإذا فسّرنا الآية بالعلم احتجنا إلى تحمّل المجاز ، وإذا فسّرناها بالمال لم نحتج إلى المجاز.
وأيضا فالحمل على البخل بالمال تكون الآية ترغيبا في بذل المال في الجهاد ، فيحسن نظم الآية مع ما قبلها ، وبحملها على البخل بالعلم ينقطع النّظم إلا بتكلّف بعيد.
__________________
(١) انظر : السبعة ٢٢٠ ، والحجة ٣ / ١١٣ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٤ ، وحجة القراءات ١٨٤ ، والعنوان ٨٢ ، وإتحاف ١ / ٤٩٦ ، وشرح شعلة ٣٢٧.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٣٦) والحاكم (٢ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩) عن عبد الله بن مسعود موقوفا.
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٥) وزاد نسبته للفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد» وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني.
وذكره أيضا الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦ / ٣٢٩) وقال : رواه الدارقطني بأسانيد ورجال أحدها ثقات.