صلة للموصول ، فيكون المجرور داخلا في حيّز الصّلة ، ولا يخبر عن الموصول إلا بعد استيفائه صلته ومتعلقاتها».
فإن عنى الشيخ بالتقديم والتأخير هذا الوجه ـ أعني جعل «للأبرار» حالا من الضمير في الظرف فصحيح ، لأنّ العامل في الحال ـ حينئذ ـ الاستقرار الذي هو عامل في الظرف الواقع صلة ، فيلزم ما قاله ، وإن عنى به الوجه الأول ـ أعني : جعل «للأبرار» خبرا ، والنية به التقديم وب «خير» التأخير كما ذكر أبو البقاء ، فلا يلزم ما قال ؛ لأنّ «للأبرار» ـ حينئذ ـ يتعلّق بمحذوف آخر غير الذي تعلّق به الظرف.
و «خير» ـ هنا ـ يجوز أن يكون للتفضيل ، وأن لا يكون ، فإن كان للتفضيل كان المعنى : وما عند الله خير للأبرار مما لهم في الدنيا ، أو خير لهم مما يتقلب فيه الكفار من المتاع القليل الزائل.
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(١٩٩)
قال جابر ، وابن عبّاس ، وقتادة ، وأنس : نزلت في النجاشي ـ ملك الحبشة ـ واسمه أصحمة ، وهو ـ بالعربية ـ عطية ، وذلك أنه لما مات نعاه جبريل ـ عليهالسلام ـ لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : اخرجوا ، فصلّوا على أخ لكم مات بغير أرضكم ، فقالوا : من هو؟ قال النجاشيّ ، فخرج إلى البقيع ، وكشف له إلى أرض الحبشة ، فأبصر سرير النجاشي ، وصلّى عليه أربع تكبيرات ، واستغفر له ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشيّ ، نصرانيّ ، لم يره قطّ ، وليس على دينه. فأنزل الله هذه الآية (١).
قال عطاء : نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الرّوم ، كانوا على دين عيسى فآمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم (٢).
قال ابن جريج : نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه (٣). وقال مجاهد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلّهم (٤).
قوله : (لَمَنْ يُؤْمِنُ) اللام لام الابتداء ، دخلت على اسم «إنّ» لتأخّره عنها ، و «من
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٩٦ ـ ٤٩٧) عن جابر بن عبد الله وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٠٠) وعزاه للطبري وحده.
(٢) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ١٢٥).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٩٨) عن ابن جريج.
(٤) أخرجه الطبري (٧ / ٤٩٩) عن مجاهد.