فصل
معنى : (قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) يعني : إن كان في قلوبكم حبّ الدين والإسلام فقاتلوا للدين والإسلام ، وإن لم تكونوا كذلك ، فقاتلوا دفعا عن أنفسكم وأهليكم وأموالكم.
وقال السّدّيّ ، وابن جريج : ادفعوا عنا العدو بتكثير سوادنا ـ إن لم تقاتلوا معنا ـ لأن الكثرة أحد أسباب الهيبة.
وقوله : (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً) إنما لم يأت ـ في هذه الجملة ـ بحرف عطف ؛ لأنها جواب لسؤال سائل كأنه قيل : فما قالوا ـ لما قيل لهم ذلك ـ؟ فأجيب بأنهم قالوا ذلك. و «نعلم» ـ وإن كان مضارعا ـ معناه المضيّ ؛ لأن «لو» تخص المضارع ، إذا كانت لما سيقع لوقوع غيره ، ونكّر «قتالا» للتقليل ، أي : لو علمنا بعض قتال ما. وهذا جواب المنافقين حين قيل لهم : (تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) فقال تعالى : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ).
«هم» مبتدأ ، و «أقرب» خبره ، وهو أفعل تفضيل ، و «للكفر» متعلق به ، وكذلك «للإيمان».
فإن قيل : لا يتعلق حرفا جر ـ متحدان لفظا ومعنى ـ بعامل واحد ، إلا أن يكون أحدهما معطوفا على الآخر ، أو بدلا منه ، فكيف تعلقا ب «أقرب»؟
فالجواب : أن هذا خاصّ بأفعل التفضيل ، قالوا : لأنه في قوة عاملين ، فإنّ قولك زيد أفضل من عمرو ، معناه : يزيد فضله على فضل عمرو.
وقال أبو البقاء : «وجاز أن يعمل «أقرب» فيهما ؛ لأنهما يشبهان الظرف ، وكما عمل «أطيب» في قولهم : هذا بسرا أطيب منه رطبا ، في الظرفين المقدرين لأن «أفعل» يدل على معنيين ـ على أصل الفعل وزيادته ـ فيعمل في كل واحد منهما بمعنى غير الآخر ، فتقديره : يزيد قربهم إلى الكفر على قربهم إلى الإيمان».
ولا حاجة إلى تشبيه الجارين بالظرفين ؛ لأن ظاهره أن المسوغ لتعلقهما بعامل واحد تشبيههما بالظرفين وليس كذلك ، وقوله : الظرفين المقدّرين ، يعني أن المعنى : هذا في أوان بسريته أطيب منه.
و «أقرب» ـ هنا ـ من القرب ـ الذي هو ضد البعد ـ ويتعدى بثلاثة حروف : اللام ، و «إلى» و «من». تقول : قربت لك ومنك وإليك ، فإذا قلت : زيد أقرب من العلم من عمرو ، ف «من» الأولى المعدية لأصل معنى القرب ، والثانية هي الجارة للمفضول ، وإذا تقرر هذا فلا حاجة إلى ادعاء أن اللام بمعنى «إلى».
و «يومئذ» متعلق ب «أقرب» وكذا «منهم» و «من» هذه هي الجارة للمفضول بعد «أفعل» وليست هي المعدية لأصل الفعل.