وقال الشّافعي ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة (١) : يجزىء الصّبيّ إذا كان أحد أبويه مسلما ؛ لأنّ قوله : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) (٢) يدخل فيه الصّغير فكذا قوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) يدخل فيه الصّغير.
فصل
قال أبو بكر الأصم ، وجمهور الخوارج : الدّية واجبة على القاتل لوجوه :
الأوّل : لأنّ قوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) والمراد : إيجابها على القاتل لا على غيره بإجماع فكذا الدّية ؛ لأن اللّفظ في الموضعين واحد.
الثاني : أن الجناية إنّما صدرت منه ، والضّمان لا يجب إلّا على المتلف ، أقصى ما في الباب أنّ هذا الفعل صدر عنه على سبيل الخطأ ، والفعل الخطأ في قيم المتلفات وأروش (٣) الجنايات ، قائم مقام العمد ، وتلك لا تجب إلا على المتلف فكذا ههنا.
الثالث : أن العاقلة لم يصدر عنهم خيانة ، فلا يجب عليهم شيء ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤] وقال : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) [الأنعام : ١٦٤] وقال : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] وروي أنّ أبا رمثة دخل على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ومعه ابنه ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ من هذا؟ فقال ابني ، فقال : «إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه» (٤) ومعلوم أنّه ليس المقصود الإخبار عن نفس الجناية ، إنّما المقصود : بيان [أن](٥) أثر جنايتك [لا](٦) يتعدّى إلى ولدك وبالعكس.
الرابع : إن النّصوص تدلّ على أن مال الإنسان معصوم [وأنه](٧) لا سبيل لأحد أن يأخذه منه ، قال ـ تعالى ـ : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) [النساء : ٢٩].
وقال عليه الصلاة والسلام : كلّ امرىء أحقّ بكسبه ، وقال : «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» وقال : «لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس» (٨) تركنا هذه النّصوص في الأشياء الّتي عرفنا بنصّ القرآن كونها موجبة لجواز الأخذ كالذّكوات ، وأخذ الضّمانات ، وأمّا الدّية على العاقلة ، فالمعتمد فيه على خبر الواحد ، وتخصيص عموم
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٨٣.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : وأروش.
(٤) أخرجه الترمذي ٤ / ١٩ ، كتاب الديات : باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه (١٤٠٠) ، وابن ماجه ٢ / ٨٨٨ ، كتاب الديات : باب لا يقتل الوالد بولده (٢٦٦٢) ، والبيهقي ٨ / ١٩ والحاكم في المستدرك ٤ / ٣٦٩ ، وصححه ابن الجارود والبيهقي وقال الترمذي : مضطرب ، ينظر كشف الخفا ٢ / ٥٢٣.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في أ.
(٨) تقدم.