وإذا ثبت ذلك في الواو والفاء ، فليجز في «ثمّ» ؛ لأنها حرف عطف.
وقرأ النّخعيّ ، وطلحة بن مصرّف (١) برفع الكاف ، وخرّجها ابن جنّي على إضمار مبتدأ ، أي : «ثم هو يدركه الموت» فعطف جملة اسميّة على فعليّة ، وهي جملة الشّرط : الفعل المجزوم وفاعله ، وعلى ذلك حمل يونس قول الأعشى : [البسيط]
١٨٧٢ ـ إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا |
|
أو تنزلون فإنّا معشر نزل (٢) |
أي : وأنتم تنزلون ، ومثله قول الآخر : [البسيط]
١٨٧٣ ـ إن تذنبوا ثمّ تأتيني بقيّتكم |
|
فما عليّ بذنب عندكم حوب (٣) |
أي : ثم أنتم تأتيني ، وهذا أوجه من أن يحمل على أن يأتيني. قلت : يريد أنه لا يحمل على إهمال الجازم ، فيرفع الفعل بعده ، كما رفع في :
١٨٧٤ ـ ألم يأتيك والأنباء تنمي |
|
بما لاقت لبون بني زياد (٤) |
فلم يحذف الياء ، وهذا البيت أنشده النّحويّون على أنّ علامة الجزم ، حذف الحركة المقدّرة في حرف العلّة ، وضمّوا إليه أبياتا أخر ، أمّا أنّهم يزعمون : أنّ حرف الجزم يهمل ، ويستدلون بهذا البيت فلا. ومنهم من خرّجها على وجه آخر ؛ وهو أنه أراد الوقف على الكلمة ، فنقل حركة هاء الضّمير إلى الكاف السّاكنة للجزم ، كقول الآخر : [الرجز]
١٨٧٥ ـ عجبت والدّهر كثير عجبه |
|
من عنزيّ سبّني لم أضربه (٥) |
يريد : «لم أضربه» بسكون الباء للجازم ، ثم نقل إليها حركة الهاء ، فصار اللّفظ «ثم يدركه» ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ، فالتقى ساكنان ، فاحتاج إلى تحريك الأوّل وهو الهاء ، فحرّكها بالضّمّ ؛ لأنه الأصل ، وللإتباع أيضا.
ثمّ قال الله ـ تعالى ـ : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي : ويغفر [الله](٦) ما كان منه [من القعود](٧) إلى أن خرج.
فصل
قال ابن العربيّ (٨) : قسّم العلماء الذّهاب في الأرض [إلى](٩) قسمين : هربا ، وطلبا.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٠٢ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٥٠ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٠.
(٢) تقدم برقم ١٧٢٥.
(٣) البيت لرويشد الطائي ينظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١ / ١٦٨ واللسان (بقي) والدر المصون ٢ / ٤٢٠.
(٤) البيت لقيس بن زهير ينظر الكتاب ٣ / ٣١٦ والتصريح ١ / ٨٧ والخزانة ٣ / ٥٣٤ وابن يعيش ٨ / ٢٤ وابن الشجري ١ / ٨٤ ـ ٨٥ والخصائص ١ / ٣٣٣ والهمع ١ / ٥٢ والدر المصون ٢ / ٤٢٠.
(٥) تقدم برقم ١٠٠٧.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في أ.
(٨) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٢٤.
(٩) سقط في ب.