فصل
قال أبو حنيفة : «تصرفات [الصّبي](١) العاقل المميز بإذن الوليّ صحيحة لهذه الآية ، ولأنه يصحّ الاستثناء فيه فيقال : ابتلوا اليتامى إلّا في البيع والشّراء».
قال الشّافعيّ : لا تصحّ تصرفاته ؛ لأنه إنّما أمر بدفع ماله إليه بعد البلوغ وإيناس الرّشد ، وإذا كان لا يجوز دفع المال حال الصغر ، فلا يجوز تصرفه حال الصغر ؛ لأنه لا قائل بالفرق.
والمراد بالابتلاء : اختبار عقله في أنه هل له فهم وعقل في معرفة المصالح والمفاسد؟ بأن يبيع الوليّ ويشتري له بحضوره ، ثم يستكشف من الصبيّ أحوال ذلك البيع والشّراء ، وما فيها من المصالح والمفاسد ، وبهذا (٢) القدر يحصل الابتلاء والاختبار ، وأيضا هب أنّا سلّمنا أنه يدفع إليه شيئا ليبيع أو يشتري ، فلم قلت : إنّ هذا القدر يدل على صحّة ذلك البيع والشّراء؟ بل إذا باع (٣) واشترى ، وحصل به اختبار عقله فالوليّ بعد ذلك يتمم (٤) ذلك البيع والشراء.
قوله : (فَإِنْ آنَسْتُمْ).
والفاء جواب «إذا» وفي قوله : (فَادْفَعُوا) جواب «إن» (٥).
وقرأ (٦) ابن مسعود «فإن أحستم» والأصل أحسستم فحذف إحدى السّينين ، ويحتمل أن تكون العين أو اللام ، ومثله قول أبي زبيد (٧) : [الوافر]
١٧٥٦ ـ سوى أنّ العتاق من المطايا |
|
حسين به فهنّ إليه شوس (٨) |
وهذا خلاف لا ينقاس ، ونقل بعضهم أنّها لغة سليم ، وأنّها مطّردة (٩) في عين كل فعل مضاعفه اتصل به تاء الضّمير أو نونه ونكّر «رشدا» دلالة على التنويع ، والمعنى أيّ نوع حصل من الرّشد كان كافيا.
وقرأ الجمهور «رشدا» بضمة وسكون ، وابن مسعود (١٠) والسّلميّ بفتحتين ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : وهذا.
(٣) في أ : بلغ.
(٤) في أ : يميز.
(٥) في ب : إذا.
(٦) وقع في المحرر الوجيز ٢ / ١٠ قراءة ابن مسعود «حستم» هكذا ، ثم قال : «بالحاء وسكون السين على مثال فعلتم» واليقين أنها تحريف أو خطأ مطبعي.
والصواب كما هو مثبت هنا ، وفي البحر ٣ / ١٨٠ ، والدر المصون ٢ / ٣١٢.
(٧) في ب : زيد.
(٨) تقدم.
(٩) في أ : مضطردة.
(١٠) وقرأ بها عيسى الثقفي.
انظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٠ ، والبحر المحيط ٣ / ١٨٠ ، والدر المصون ٢ / ٣١٢.