قال شهاب الدين : «والحق أن حزنه وأحزنه لغتان فاشيتان ، لثبوتهما متواترتين ـ وإن كان أبو البقاء قال : إن أحزن لغة قليلة ، ومن عجيب ما اتفق أن نافعا ـ رحمهالله ـ يقرأ هذه المادة من «أحزن» إلا التي في الأنبياء ـ كما تقدم ـ وأن شيخه أبا جعفر يزيد بن القعقاع يقرأها من «حزنه» ـ ثلاثيا ـ إلا التي في الأنبياء ، وهذا من الجمع بين اللغتين ، والقراءة سنة متّبعة».
وقرأ الجماعة : «يسارعون» بالفتح والامالة (١) ، وقرأ النحوي «يسرعون» ـ من أسرع ـ في جميع القرآن (٢) ، قال ابن عطية : «وقراءة الجماعة أبلغ ؛ لأن من يسارع غيره أشد اجتهادا من الذي يسرع وحده».
قوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) في نصب «شيئا» وجهان :
أحدهما : أنه مصدر ، أي : لا يضرونه شيئا من الضرر.
الثاني : أنه منصوب على إسقاط الخافض ، أي : لن يضروه بشيء. وهكذا كل موضع أشبهه ففيه الوجهان.
فصل
اختلفوا في هؤلاء المسارعين ، فقال الضّحّاك : هم كفار قريش (٣) ، وقال غيره : هم المنافقون ؛ يسارعون في الكفر مظاهرة للكفار (٤)(إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) بمسارعتهم في الكفر.
وقيل : إن قوما من الكفار أسلموا ، ثم ارتدوا ؛ خوفا من قريش ، فوقع الغمّ في قلب الرسول صلىاللهعليهوسلم بذلك السبب فإنه صلىاللهعليهوسلم ظن أنهم بسبب تلك الرّدّة يلحقون به مضرّة ، فبيّن ـ تعالى ـ أن ردّتهم لا تؤثر في لحوق ضرر بك (٥).
قال القاضي : ويقوى هذا الوجه بأن المستمر على الكفر لا يوصف بأنه يسارع في الكفر ، وإنما يوصف بذلك من يكفر بعد الإيمان. وأيضا فإن إرادته ألا يجعل لهم حظّا في الآخرة لا تليق إلا بمن قد آمن واستوجب ذلك ، ثم أحبط.
وأيضا فإن الحزن إنما يكون على فوات أمر مقصود ، فلما قدّر النبيّ صلىاللهعليهوسلم الانتفاع
__________________
(١) انظر : إتحاف ١ / ٤٩٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٤.
(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٤٤ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٦ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٤.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٣) وعزاه لابن أبي حاتم عن الحسن.
وذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ٨٤).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤١٨) عن مجاهد وابن إسحاق وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٢) عن مجاهد وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
والأثر في «السيرة النبوية» لابن هشام (٣ / ١٢٨) عن ابن إسحاق.
(٥) انظر تفسير الرازي (٩ / ٨٤).