وقال الحسن وقتادة : تعود على «الكتاب» أي : يبينون للناس ما في التوراة والإنجيل من الدلالة على صدق نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم (١).
فإن قيل : البيان يضادّ الكتمان ، فلما أمر بالبيان كان الأمر به نهيا عن الكتمان فما الفائدة في ذكر النّهي عن الكتمان؟.
فالجواب : أن المراد من البيان ذكر الآيات الدالة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم من التوراة والإنجيل والمراد من النهي عن الكتمان أن لا يلقوا فيها التأويلات الفاسدة ، والشبهات المعطلة.
قال قتادة : هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ، فمن علم شيئا فليعلّمه ، وإياكم وكتمان العلم ، فإنه هلكة. قال صلىاللهعليهوسلم : «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار».
قوله : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) طرحوه ، وضيّعوه ، ولم يراعوه ، ولم يلتفتوا إليه. والنبذ وراء الظهر مثل للطّرح ، ونقيضه : جعله نصب عينيه.
وقوله : (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) معناه : أنهم أخفوا الحقّ ؛ ليتوسلوا بذلك إلى وجدان شيء من الدنيا ، ثم قال : (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ).
قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١٨٨)
هذا أيضا من جملة أذاهم ؛ لأنهم يفرحون بما أتوا به من أنواع الخبث والتلبيس على ضعفة المسلمين ويحبّون أن يحمدوا بأنّهم أهل البرّ والصدقة والتقوى ، ولا شك أن الإنسان يتأذّى بمشاهدة مثل هذه الأحوال ، فأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالمصابرة عليها.
قوله : (لا تَحْسَبَنَ) قرأ ابن كثير وأبو عمر «يحسبنّ» و «فلا يحسبنّهم» ـ بالياء فيهما ، ورفع باء «تحسبنّهم» (٢) وقرأ (٣) الكوفيون بتاء الخطاب ، وفتح الباء فيهما معا ، ونافع وابن عامر بياء الغيبة في الأول ، وتاء الخطاب في الثاني ، وفتح الباء فيهما معا ، وقرىء شاذا بتاء الخطاب وضمّ الباء فيهما معا (٤) ، وقرىء فيه أيضا بياء الغيبة فيهما ، وفتح الباء فيهما أيضا فهذه خمس قراءات ، فأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو ففيها خمسة
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) انظر : السبعة ٢١٩ ، ٢٢٠ ، والحجة ٣ / ١٠١ ، وحجة القراءات ١٨٦ ، والعنوان ٨٢ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٥ ، وشرح شعلة ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٧٦ ـ ١٧٧ ، ١٨٥ ، وإتحاف ١ / ٤٩٧.
(٣) انظر البحر المحيط ٣ / ١٤٤ ، والدر المصون ٢ / ٢٧٩.
(٤) انظر : الدر المصون ٢ / ٢٧٩.