وقال مجاهد : معنى «سيطوّقون» سيكلّفون أن يأتوا بما بخلوا به يوم القيامة ، أي : يؤمرون بأداء ما منعوا ، فلا يمكنهم الإتيان به ، فيكون توبيخا.
وقيل : سيلزمون إثمه في الآخرة ، وهذا على طريق التمثيل ، يقال : فلان كالطّوق في رقبة فلان ، كما يقال : قلدتك هذا الأمر ، وجعلت هذا الأمر في عنقك ، قال تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء : ١٣].
وإن حملنا البخل على البخل بالعلم كان معناه : أنّ الله تعالى يجعل في أعناقهم طوقا من نار ، قال صلىاللهعليهوسلم : «من سئل عن علم يعلمه ، فكتمه ، ألجم يوم القيامة بلجام من نار».
قوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيه وجهان :
أحدهما : أن له ما فيهما مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره ، فما لهم يبخلون عليه بملكه ، كقوله : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد : ٧].
ثانيهما ـ وهو قول الأكثرين ـ : أنه يفني أهل السموات والأرض ، ويبقي الأملاك ، ولا مالك لها إلا الله ، فجرى هذا مجرى الوراثة.
قال ابن الأنباريّ : يقال : ورث فلان علم فلان ، إذا انفرد به بعد أن كان مشاركا فيه ، وقال تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) [النمل : ١٦] لأنه انفرد بذلك الأمر بعد أن كان داود مشاركا له فيه.
قال القرطبيّ : أخبر ـ تعالى ـ ببقائه ودوام ملكه ، وأنه في الأبد كهو في الأزل ، غنيّ عن العالمين ، فيرث الأرض بعد فناء خلقه ، وزوال أملاكهم ، فتبقى الأملاك والأموال لا مدعى فيها ، فجرى هذا مجرى الوراثة في عادة الخلق ، وليس بميراث في الحقيقة ؛ لأن الوارث في الحقيقة هو الذي يرث شيئا لم يكن ملكه من قبل ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ مالك السموات والأرض وما بينهما ، وكانت السّموات وما فيها له ، وأن الأموال كانت عارية عند أربابها ، فإذا ماتوا ردّت العارية إلى صاحبها الذي كانت له في الأصل ثم قال : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
قوله تعالى : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (١٨٢)
في كيفية النظم وجهان :
الأول : أنه ـ تعالى ـ لما أمر المكلّفين ببذل النفس والمال في سبيل الله ـ فيما تقدم ـ وبالغ في تقرير ذلك ، قالت الكفار : إنه ـ تعالى ـ لما طلب الإنفاق في تحصيل مطلوبه كان فقيرا عاجزا ، والفقر على الله محال ، فطلبه للمال من عبيده محال ، وذلك يدل على كذب محمّد في إسناد هذا الطلب إلى الله.