هذه القراءة : سيصلون من أصلى مثل يكرمون من أكرم (١) ، فاستثقلت الضّمّة على الياء فحذفت ، فالتقى السّاكنان فحذف أولهما وهو الياء وضمّ ما قبل الواو ليصح و «أصلى» يحتمل أن تكون الهمزة فيه للدّخول في الشّيء ، فيتعدّى لواحد وهو (سَعِيراً ،) وأن تكون للتّعدية ، فالمفعول محذوف أي : يصلون أنفسهم سعيرا.
وأبو حيوة (٢) بضم الياء وفتح الصّاد واللّام مشدّدة مبنيا للمفعول من صلّى مضعفا.
قال أبو البقاء (٣) : والتّضعيف للتكثير.
والصّلي (٤) : الإيقاد بالنّار ، يقال : صلي بكذا ـ بكسر العين ـ وقوله (لا يَصْلاها) أي : يصلى بها.
وقال الخليل : صلي الكافر النّار أي : قاسى حرّها وصلاه النّار وأصلاه غيره ، هكذا قال الرّاغب (٥). وظاهر العبارة أنّ فعل وأفعل [بمعنى](٦) ، يتعدّيان إلى اثنين ثانيهما بحرف الجرّ ، وقد يحذف.
وقال غيره : «صلي بالنّار أي : تسخّن بقربها» ف (سَعِيراً) على هذا منصوب على إسقاط الخافض. ويدلّ على أنّ أصل «يصلاها» يصلى بها قول الشاعر : [الطويل]
١٧٦٣ ـ إذا أوقدوا نارا لحرب عدوّهم |
|
فقد خاب من يصلى بها وسعيرها (٧) |
وقيل : صليته النّار : أدنيته منها ، فيجوز أن يكون منصوبا من غير إسقاط خافض.
قال الفرّاء (٨) : الصلى : اسم الوقود وهو الصّلاء إذا كسرت مدّت ، وإذا فتحت قصرت ، ومن ضمّ الياء فهو من قولهم : أصلاه الله حرّ النّار إصلاء ، قال : (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) [النساء : ٣٠] وقال : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) [المدثر : ٢٦].
وقال أبو زيد : يقال : صلي الرّجل النّار يصلاها صلى وصلاء ، وهو صالي النّار ، وقوم صالون وصلاء ، قال تعالى : (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ١٦٣] وقال : (أَوْلى بِها صِلِيًّا) [مريم : ٧٠] والسّعير في الأصل الجمر المشتعل ، وسعرت النّار أوقدتها ، ومنه : مسعر حرب ، على التشبيه ، والمسعر : الآلة الّتي تحرّك بها النّار.
فصل
روي أنّه لما نزلت هذه الآية ثقل ذلك على النّاس فاحترزوا عن مخالطة اليتامى
__________________
(١) في أ : يكرم.
(٢) ونسبها في البحر ٣ / ١٨٧ إلى ابن أبي عبلة فقط. وانظر : السابق.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ١٦٩.
(٤) في أ : ويصلي.
(٥) في أ : المراغني.
(٦) سقط في ب.
(٧) تقدم.
(٨) ينظر : الفخر الرازي ٩ / ١٦٤.