منهما صاحبه متبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع ، واعلم : أنه كما يحل المستفاد من التجارة ، فقد يحل أيضا المال المستفاد من الهبة ، والوصية والإرث ، والصدقة ، والمهر ، وأروش الجنايات ، فإن أسباب المال كثيرة سوى التجارة.
فإن قلنا : الاستثناء منقطع ، فلا إشكال ؛ لأنه تعالى ذكر هاهنا شيئا واحدا ، من أسباب الملك ، ولم يذكر غيره بنفي ، ولا إثبات.
وإن قلنا : الاستثناء متصل كان ذلك حكما بأن غير التجارة لا يفيد الحل ، وعلى هذا لا بد من النسخ ، والتخصيص.
فصل
ذهب بعض العلماء إلى أن النهي في المعاملات يقتضي البطلان ، وقال أبو حنيفة : لا يدل عليه واحتج الأولون بوجوه :
أحدها : أن جميع الأموال مملوكة لله تعالى ، فإذا أذن لبعض عبيده في بعض التصرفات ، كان ذلك جاريا مجرى ما إذا وكل الإنسان وكيلا في بعض التصرفات ، ثم إن الوكيل تصرف على خلاف قول الموكل ، فذلك غير منعقد ، فإذا كان التصرف الواقع على خلاف قول المالك المجازي لا ينعقد ، فالتصرف الواقع على خلاف قول المالك الحقيقي غير منعقد بطريق الأولى.
وثانيها : أن التصرفات الفاسدة ؛ إما أن تكون مستلزمة لدخول المحرم المنهي عنه في الوجود أولا ، فإن كان الأول وجب القول ببطلانها قياسا على التصرفات (١) الفاسدة ، والجامع السعي في ألا يدخل منشأ النهي في الوجود ، وإن كان الثاني ؛ وجب القول بصحتها قياسا على التصرفات الصحيحة ، والجامع كونها تصرفات خالية عن المفسدة ، فثبت أنه لا بد من وقوع التصرف على هذين الوجهين ، فأما القول بتصرف لا يكون صحيحا ، ولا باطلا ، فهو محال.
وثالثها : أن قوله : «لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين» (٢) كقوله : «لا تبيعوا الحر بالعبد» فكما أن هذا نهي في اللفظ ، لكنه نسخ للشرعية [فكذا الأول ، وإذا كان نسخا للشرعية](٣) ، بطل كونه مفيدا للحكم.
__________________
ـ في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٢٠٢) والبيهقي (٥ / ٢٦٩) والطيالسي (١٣٣٩) وأحمد (٣ / ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، ٤٣٤) كلهم من حديث حكيم بن حزام مرفوعا. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
(١) في أ : التصرف.
(٢) أخرجه مسلم كتاب المساقاة ب ١٤ رقم (٧٨) وأحمد (٢ / ١٠٩) والبيهقي (٥ / ٢٧٨) والشافعي في «مسنده» (١٨١) وابن عبد البر في «التمهيد» (٢ / ٢٤٥).
(٣) سقط في ب.