الأول ـ وهو الأظهر ـ : أنه يعود على «أولياءه» أي : فلا تخافوا أولياء الشيطان ، هذا إن أريد بالأولياء كفار قريش.
الثاني : أنه يعود على «الناس» من قوله : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) إن كان المراد ب «أولياءه» المنافقين.
الثالث : أنه يعود على «الشيطان» قال أبو البقاء : «إنما جمع الضمير ؛ لأن الشيطان جنس» والياء في قوله : «وخافوني» من الزوائد ، فأثبتها أبو عمرو وصلا ، وحذفها وقفا ـ على قاعدته ـ والباقون يحذفونها مطلقا.
فصل في ورود الخوف في القرآن الكريم
ورد الخوف على ثلاثة أوجه :
الأول : الخوف بعينه ، كهذه الآية.
الثاني : الخوف : القتال ، قال تعالى : (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) [الأحزاب : ١٩] أي : إذا ذهب القتال.
الثالث : الخوف : العلم ، قال تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) [البقرة : ١٨٢] أي علم ، ومثله قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٢٩] وقوله : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) [الأنعام : ٥١]. أي : يعلمون وقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) [النساء : ٣٥] أي : علمتم.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) جوابه محذوف ، أو متقدم ـ عند من يرى ذلك ـ وهذا من باب الإلهاب والتهييج. وإلا فهم ملتبسون بالإيمان.
قوله (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ) قرأ نافع «يحزنك» ـ بضم حرف المضارعة (١) ـ من «أحزن» ـ رباعيا ـ في سائر القرآن إلا التي في قوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء : ١٠٣] فإنه كالجماعة. والباقون بفتح الباء ـ من «حزنه» ثلاثيا ـ فقيل : هما من باب ما جاء فيه فعل وأفعل بمعنى.
وقيل : باختلاف معنى ، فحزنه : جعل فيه حزنا ـ نحو : دهنه وكحله ، أي : جعل فيه دهنا وكحلا ـ وأحزنته : إذا جعلته حزينا. ومثل حزنه وأحزنه فتنه وأفتنه ، قال سيبويه : «وقال بعض العرب: أحزنت الرجل وأفتنته : أرادوا : جعلته حزينا وفاتنا».
وقيل : حزنته : أحدثت له الحزن ، وأحزنته : عرّضته للحزن. قاله أبو البقاء وقد تقدم اشتقاق هذه اللفظة في «البقرة» (٢).
__________________
(١) انظر : السبعة ٢١٩ ، والحجة ٣ / ٩٩ ، وحجة القراءات ١٨١ ، والعنوان ٨١ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٧٨ ، وشرح شعلة ٣٢٦ ، وإتحاف ١ / ٤٩٥.
(٢) آية : ٣٨.