ولي من المال ما يبلّغني المدينة وأبعد منها ، والله لا أبيت اللّيلة بمكّة ، أخرجوني ، فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التّنعيم ، فأدركه الموت ، فصفّق بيمينه على شماله ، فقال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك ، أبايعك على ما بايعك عليه رسولك ، فمات فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : لو وافى المدينة لكان أتمّ أجرا.
وضحك المشركون وقالوا : ما أدرك هذا ما طلب ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (١)(٢) أي : قبل بلوغه إلى مهاجره ، (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ). أي : وجب بإيجابه على نفسه فضلا منه.
و «مهاجرا» نصب على الحال من فاعل «يخرج».
فصل
قال بعضهم : إن من قصد طاعة وعجز عن إتمامها ، كتب الله ثواب تلك الطّاعة ؛ كالمريض يعجز عما كان يعمله في حال صحّته من الطّاعة ، فيكتب الله [له](٣) ثواب ذلك العمل ؛ هكذا روي عن النّبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال آخرون : يكتب له : أجر (٤) قصده ، وأجر القدر الذي أتى به من ذلك العمل ، أما أجر تمام العمل ، فذلك محال.
والقول الأوّل أولى ؛ لأنه ـ تعالى ـ ذكر هذه الآية في معرض التّرغيب في الهجرة ، وهو أنّ من خرج للرّغبة في (٥) الهجرة ، فقد وجد ثواب الهجرة (٦) ، والتّرغيب إنما يحصل بهذا المعنى ، فأما القول بأنّ معنى الآية هو أن يصل إليه ثواب ذلك القدر من العمل ، فلا يصلح مرغّبا ؛ لأنه من المعلوم أن كلّ من أتى بعمل فإنه يجد الثّواب (٧) المرتّب على قدر ذلك العمل.
فصل : شبه المعتزلة في وجوب الثواب على الله والرد عليها
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على أن العمل يوجب الثّواب على الله ـ تعالى ـ ؛
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه أبو يعلى (٥ / ٨١) رقم (٢٦٧٩) والطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٤٠) وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (٢ / ٣٧٢) والطبراني في «الكبير» كما في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٠) عن ابن عباس.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٠) وقال رواه أبو يعلى ورجاله ثقات كما أورده الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» (٣٥٢٨) وعزاه لأبي يعلى وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ١١٧) من وجه آخر عن ابن عباس وذكره السيوطي من هذا الوجه في «الدر المنثور» (٢ / ٣٦٨) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : الأجر.
(٥) في أ : من.
(٦) في ب : الآخرة.
(٧) في أ : يثاب.