قال قتادة : والله ما غروا نبيّ الله قط ، حتى قبضه الله تعالى ، ويمكن أن يقال : سبب عدم إغراره هو تواتر الآيات عليه ، لقوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) [الإسراء : ٧٤] فسقط قول قتادة.
قوله : «متاع» خبر مبتدأ محذوف ، دلّ عليه الكلام ، تقديره : تقلبهم ، أو تصرفهم متاع قليل. والمخصوص بالذم محذوف ، أي : بئس المهاد جهنم. ومعنى (مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي : بلغة فانية ، ومتعة زائلة.
وإنما وصفه بالقلّة ؛ لأن نعيم الدنيا مشوب بالآفات ثم ينقطع ، وكيف لا يكون قليلا وقد كان معدوما من الأزل إلى الآن ، وسيصير معدوما من الأزل إلى الأبد فإذا قابلت زمان الوجود بما مضى وما يأتي ـ وهو الأزل والأبد ـ كان أقل من أن يجوز وصفه بأنه قليل ثمّ قال بعده : (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) يعني أنه مع قلته يؤول إلى المضرّة العظيمة ، ومثل هذا لا يعدّ نعمة.
قوله تعالى : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ)(١٩٨)
قرأ الجمهور بتخفيف «لكن» وأبو جعفر بتشديدها (١) ، فعلى القراءة الأولى الموصول رفع بالابتداء ، وعند يونس يجوز إعمال المخففة ، وعلى الثانية في محل نصب.
ووقعت «لكن» هنا أحسن موقع ؛ فإنها وقعت بين ضدّين ، وذلك أن معنى الجملتين ـ التي بعدها والتي قبلها ـ آيل إلى تعذيب الكفار ، وتنعيم المؤمنين المتقين. ووجه الاستدراك أنه لما وصف الكفار بقلة نفع تقلبهم في التجارة ، وتصرّفهم في البلاد لأجلها ، جاز أن يتوهّم متوهّم أن التجارة ـ من حيث هي ـ متصفة بذلك ، فاستدرك أنّ المتقين ـ وإن أخذوا في التجارة ـ لا يضرهم ذلك ، وأنّ لهم ما وعدهم به.
قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) هذه الجملة أجاز مكيّ فيها وجهين :
أحدهما : الرفع ، على النعت ل «جنّات».
والثاني : النصب ، على الحال من الضمير المستكن في «لهم» قال : «وإن شئت في موضع نصب على الحال من المضمر المرفوع في «لهم» إذ هو كالفعل المتأخر بعد الفاعل إن رفعت «جنّات» بالابتداء ، فإن رفعتها بالاستقرار لم يكن في «لهم» ضمير مرفوع ، إذ هو كالفعل المتقدّم على فاعله». يعني أنّ «جنّات» يجوز فيها رفعها من وجهين :
__________________
(١) انظر : إتحاف ١ / ٤٩٩ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٨٧ ، والمحرر الوجيز ١ / ٥٥٨ ، والبحر المحيط ٣ / ١٥٤ ، والدر المصون ٢ / ٢٩١.