فصل [في سبي أحد الزوجين]
اتّفقوا على أنّه إذا سبي أحد الزّوجين قبل الآخر وأخرج إلى دار الإسلام وقعت الفرقة بينهما ، فإن سبيا معا ، قال الشّافعيّ : تزول الزّوجيّة ويستبرئها المالك.
وقال أبو حنيفة لا تزول الزّوجيّة.
واستدلّ الشافعيّ بقوله (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) فيقتضي تحريم ذوات الأزواج ثم قال (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يقتضي أن عند طريان الملك ترتفع (١) الحرمة ويحصل الحل.
قال أبو بكر الرّازيّ (٢) : إن حصلت الفرقة بمجرد طريان الملك فوجب أن تقع الفرقة بشراء الأمة واتهابها [وإرثها](٣) وليس ذلك واجب ، فإنّ العام بعد التّخصيص حجة في الباقي ، وأيضا فالحاصل عن السّبي إحداث الملك ، وعند البيع نقل الملك من شخص إلى شخص ، فكان الأوّل أقوى.
قوله [(كِتابَ اللهِ)](٤) في نصبه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنّه منصوب على أنّه مصدر مؤكّد بمضمون الجملة المتقدّمة قبله ، وهي قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) (٥) ونصبه بفعل مقدر [تقديره](٦) كتب الله ذلك عليكم كتابا ، والمعنى : كتب الله عليكم تحريم ما تقدّم ذكره من المحرمات كتابا من الله ، ومجيء المصدر عن غير لفظ الفعل كثير. قال تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ) [النمل : ٨٨] ، وأبعد عبيدة السلماني في جعله هذا المصدر مؤكدا لمضمون الجملة من قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(٧).
الثاني : أنه منصوب على الإغراء ب «عليكم» والتقدير : عليكم كتاب الله ، أي : الزموه كقوله تعالى (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَ) [المائدة : ١٠٥] وهذا رأي الكسائيّ ومن تابعه أجازوا تقديم المنصوب في باب الإغراء مستدلّين بهذه الآية ، وبقول الشّاعر (٨) : [الرجز]
١٧٨٣ ـ يأيّها المائح دلوي دونكا |
|
إنّي رأيت النّاس يحمدونكا (٩) |
ف «دلوي» منصوب بدونك وقد تقدّم ، والبصريون يمنعون ذلك ، قالوا : لأنّ العامل
__________________
(١) في أ : تقع.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ٣٤ ، ٣٥.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.
(٨) في أ : وتقول الأئمة.
(٩) البيت لجارية بن مازن ينظر الدرر ٢ / ١٣٨ وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ١١٧ وأوضح المسالك ٣ / ١٢١ والإنصاف ٢٢٨ والدر المصون ٢ / ٣٤٥.