كان إذا غزا قوما ، فإن سمع أذانا كفّ عنهم ، وإن لم يسمع ، أغار عليهم.
وروي عن ابن عصام عن أبيه ؛ أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا بعث سريّة قال : «إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم أذانا ، فلا تقتلوا أحدا» (١).
قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٩٦)
كما رغّب في الجهاد ، أتبع ذلك ببيان أحكام الجهاد ، ومن أحكامه : التّحذير عن قتل المسلمين على سبيل العمد والخطأ وعلى تأويل الخطأ ، ثم أتبعه بحكم آخر ؛ وهو بيان فضل المجاهد على غيره.
وقيل : لما عاتبهم على قتل المتكلّم بالشّهادة ، فلعلّه وقع في قلوبهم أن الأولى الاحتراز عن الجهاد ؛ للوقوع في مثل هذا المحذور فذكر عقبه (٢) فضل المجاهد على غيره ؛ إزالة لهذه الشّبهة.
قوله (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم : «غير» بالرفع ، والباقون : بالنّصب ، والأعمش (٣) : بالجرّ.
والرّفع على وجهين :
أظهرهما : أنه على البدل من «القاعدون» وإنما كان هذا أظهر ؛ لأن الكلام نفي ، والبدل معه أرجح ؛ لما قرّر في علم النّحو.
والثاني : أنه رفع على الصّفة ل «القاعدون» ، ولا بد من تأويل ذلك ؛ لأن «غير» لا تتعرّف بالإضافة ، ولا يجوز اختلاف النّعت والمنعوت تعريفا وتنكيرا ، وتأويله : إمّا بأن القاعدين لمّا لم يكونوا ناسا بأعيانهم ، بل أريد بهم الجنس ، أشبهوا النّكرة فوصفوا كما توصف ، وإمّا بأن «غير» قد تتعرّف إذا وقعت بين ضدّين ، وهذا كما تقدّم في إعراب (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] في أحد الأوجه ، وهذا كلّه خروج عن الأصول
__________________
(١) أخرجه الحميدي في «مسنده» رقم (٨٢٠) والبزار والطبراني كما في «مجمع الزوائد» (٦ / ٢١٠) من حديث ابن عصام عن أبيه وقال الهيثمي : رواه البزار والطبراني وإسنادهما حسن.
(٢) ينظر : السبعة ٢٣٧ ، والحجة ٣ / ١٧٩ ، وفيه ذكر رواية عن ابن كثير أنه قرأ بالنصب.
وينظر : : حجة القراءات ٢١٠ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٧ ، والعنوان ٨٥ ، وشرح شعلة ٣٤٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢١٥ ، وإتحاف ١ / ٥١٩.
(٣) وقرأ بالكسر ـ مع الأعمش ـ أبو حيوة كما في : المحرر الوجيز ٢ / ٩٧ ، وينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٤٤ ، والدر المصون ٢ / ٤١٧.