ومعنى : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) أنهم كانوا ـ قبل هذا الوقت ـ كاتمين للنفاق ، فكانوا في الظاهر أبعد من الكفر ، فلما ظهر منهم ما كانوا يكتمونه صاروا أقرب للكفر ؛ لأن رجوعهم عن معاونة المسلمين دلّ على أنهم ليسوا من المسلمين.
وقيل : المعنى أنهم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ؛ لأن تقليلهم سواد المسلمين يؤدي إلى تقوية المشركين.
و «إذ» مضافة لجملة محذوفة ، عوّض منها التنوين ، وتقدير هذه الجملة : هم للكفر يوم إذ قالوا : لو نعلم قتالا لاتبعناكم.
وقيل : المعنى على حذف مضاف ، أي : هم لأهل الكفر أقرب منهم لأهل الإيمان ، وفضّلوا ـ هنا ـ على أنفسهم باعتبار حالين ووقتين ، ولو لا ذلك لم يجز ، تقول : زيد قاعدا أفضل منه قائما ، أو زيد قاعدا اليوم أفضل منه قاعدا غدا. ولو قلت : زيد اليوم قاعدا أفضل منه اليوم قاعدا. لم يجز.
وحكي النقاش ـ عن بعض المفسّرين ـ أن «أقرب» ـ هنا ـ ليست من معنى القرب ـ الذي هو ضد البعد ـ وإنما هي من القرب ـ بفتح القاف والراء ـ وهو طلب الماء ، ومنه قارب الماء ، وليلة القرب : ليلة الورود ، فالمعنى : هم أطلب للكفر ، وعلى هذا تتعين التعدية باللام ـ على حدّ قولك : زيد أضرب لعمرو.
فصل
قال أكثر العلماء : هذا تنصيص من الله تعالى على أنهم كفار.
قال الحسن : إذا قال الله تعالى : «أقرب» فهو اليقين بأنهم مشركون ، وهو مثل قوله : (مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧] فهذه الزيادة لا شك فيها ، وأيضا فالمكلّف لا يمكن أن ينفك عن الإيمان والكفر فلما دلّت الآية على القرب من الكفر لزم حصول الكفر. وقال الواحديّ ـ في «البسيط» : هذه الآية دليل على أن من أتى بكلمة التوحيد لم يكفر ، ولم يطلق القول بتكفيره ؛ لأنه ـ تعالى ـ لم يطلق القول بتكفيرهم ـ مع أنهم كانوا كافرين ـ لإظهارهم كلمة التوحيد.
قوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها مستأنفة ، لا محلّ لها من الإعراب.
الثاني : أنها في محل نصب على الحال من الضمير في «أقرب» أي : قربوا للكفر قائلين هذه المقالة ـ وقوله : (بِأَفْواهِهِمْ) قيل : تأكيد ، كقوله : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨]. والظاهر أن القول يطلق على اللساني والنفساني ، فتقييده بقوله : (بِأَفْواهِهِمْ) تقييد لأحد محتمليه ، اللهم إلا أن يقال : إن إطلاقه على النفسانيّ مجاز ، قال