قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) التّسليط في اللغة (١) مأخوذ من السّلاطة ؛ وهي الحدّة ، والمقصود : أنّ الله تعالى منّ على المسلمين بكفّ بأس المعاهدين.
قال [بعض](٢) المفسّرين : معنى الآية : أن القوم الّذين جاءوكم بنو مدلج ، كانوا عاهدوا ألّا يقاتلوا المسلمين ، وعاهدوا قريشا ألّا يقاتلوهم وحصرت : ضاقت صدورهم ، (أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) أي : عن قتالكم للعهد الذي بينكم ، (أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) يعني : من أمن منهم ، ويجوز أن يكون معناه : أنّهم لا يقاتلونكم مع قومهم ، ولا يقاتلون قومهم معكم ، يعني : قريشا قد ضاقت صدورهم لذلك.
وقال بعضهم : «أو» بمعنى الواو ؛ كأنه قال : إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، جاءوكم حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم وهم ـ قوم هلال ـ الأسلميّون وبنو بكر ، نهى الله ـ سبحانه ـ عن قتل هؤلاء المرتدّين إذا اتّصلوا بأهل عهد للمؤمنين ؛ لأن من انضمّ إلى قوم ذوي عهد فله حكمهم في حقن الدّم.
فصل
المعنى : أن ضيق صدورهم عن قتالكم ؛ إنّما هو لأن الله ـ تعالى ـ قذف الرّعب في قلوبهم ، ولو أنه ـ تعالى ـ قوّى قلوبهم على قتال المسلمين ، لتسلّطوا عليهم ، وهذا يدلّ على أنّه لا يصحّ من الله تسليط الكافر على المؤمن (٣) وتقويته [عليه](٤).
وأجاب المعتزلة بوجهين :
الأول : قال الجبّائي : قد بينّا أنّ الّذين استثناهم الله ـ تعالى ـ قوم مؤمنون لا كافرون ، وعلى هذا فمعنى الآية : ولو شاء الله لسلّطهم عليكم بتقوية [قلوبهم](٥) ليدفعوا عن أنفسهم ، إن أقدمتم على مقاتلتهم على سبيل الظّلم.
الثّاني : قال الكلبي : إنه ـ تعالى ـ أخبر أنّه لو شاء لفعل ، وهذا لا يفيد إلّا أنه ـ تعالى ـ قادر على الظّلم ، وهذا مذهبنا ، إلا أنّا نقول : إنه ـ تعالى ـ لا يفعل الظّلم.
قوله : «فلقاتلوكم» اللام جواب «لو» على التّكرير أو البدليّة ، تقديره : ولو شاء الله لسلّطهم عليكم ، ولو شاء الله لقاتلوكم.
وقال ابن عطيّة : هي لام المحاذاة والازدواج بمثابة الأولى ، لو لم تكن الأولى كنت تقول : «لقاتلوكم». وهي تسمية غريبة ، وقد سبقه إليها مكّي ، والجمهور على :
__________________
(١) في ب : المغني.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : الكافرين على المؤمنين.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في ب.