قال القاضي : «كلّ واحد من هذه الوجوه صحيح ، ولكن لا يجوز قصر اللفظ عليه ؛ لأن اللفظ عام ؛ فيجب أن يتناول الكلّ ، وإن كانت الآية نزلت في واقعة معينة لكن عموم اللفظ لا يبطل بخصوص السبب.
قوله : (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ) في هذه الجملة احتمالان :
أحدهما : أن تكون مستأنفة ، أخبر أن من باء بسخطه أوى إلى جهنم ، وتفهم منه مقابله ، وهو أن من اتّبع الرضوان كان مأواه الجنة ، وإنما سكت عن هذا ، ونص على ذلك ليكون أبلغ في الزّجر ، ولا بد من حذف في هذه الجمل ، تقديره : أفمن أتبع ما يؤول به إلى رضا الله فباء برضاه كمن اتبع ما يؤول به إلى سخطه؟
الثاني : أنها داخلة في حيّز الموصول ، فتكون معطوفة على (باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) فيكون قد وصل الموصول بجملتين : اسمية وفعلية ، وعلى كلا الاحتمالين ، لا محلّ لها من الإعراب.
قوله : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) المخصوص بالذم محذوف ، أي وبئس المصير جهنم.
واشتملت الآية على الطباق في قوله : (يَنْصُرْكُمُ) و (يَخْذُلْكُمْ) وقوله : (رِضْوانَ اللهِ) و «بسخطه» والتجنيس المماثل في قوله : (يَغُلَ) و (بِما غَلَّ).
قوله تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)(١٦٣)
(هُمْ دَرَجاتٌ) مبتدأ وخبر ، ولا بد من تأويل [بالإخبار](١) بالدرجات عن «هم» لأنها ليست إياهم ، فيجوز أن يكون جعلوا نفس الدرجات مبالغة ، والمعنى : أنهم متفاوتون في الجزاء على كسبهم ، كما أن الدرجات متفاوتة والأصل على التشبيه ، أي : هم مثل الدرجات في التفاوت.
ومنه قوله : [الوافر]
١٦٨٦ ـ أنصب للمنيّة تعتريهم |
|
رجالي أم هم درج السّيول (٢) |
__________________
(١) في أ : في الأخبار.
(٢) البيت لابن هرمة ينظر ديوانه ص ١٨١ ، والأزمنة والأمكنة ١ / ٣٠٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٢٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٨٤ ، والكتاب ١ / ٤١٥ ، ٤١٦ ، ولسان العرب (درج). والدر المصون ٢ / ٢٥٠.
استشهد به على نصب (درج السيول) على الظرفية ، ووقع خبرا ، لهم ، والسيرافي يقول : إن سيبويه منع أن يقاس على «مناط الثريا» ونحوه ممّا استعملوه ظرفا غيره من الأماكن ، نحو مربط الفرس إلا أن تظهر المكان ، فتقول : هو من مكان مربط الفرس ، فيجوز. ثم قال : «وقد ظهر أن سيبويه يجيز : زيد خلفك ، إذا جعلته هو الخلف ، ولم يشترط ضرورة شعر ، وهو قول المازني ، وكان الجرمي لا يجيزه إلا في ضرورة الشعر ، والكوفيون يمنعونه أشد المنع» ومما استعمل قولهم : هو من درج السيل. أي مكان درج السيل من السيل ، وكما في الشاهد الذي معنا على أن درج ظرف منصوب مع خبريته.