وقوله : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(١) أي : أنّه إنّما أتى بتلك المعصية لاستيلاء الشّهوة والغضب والجهالة (٢) عليه «حكيما» بأن العبد لما كان من صفته ذلك ثمّ إنّه تاب عنها من (٣) قريب فإنه يقبل توبته.
قوله تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(١٨)
قوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) يعني : المعاصي ، لما ذكر شرائط التّوبة المقبولة ، أردفها بشرح التّوبة الّتي لا تكون مقبولة ، قوله : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) «حتّى» حرف ابتداء ، والجملة الشّرطيّة بعدها غاية لما قبلها ، أي : ليست التّوبة لقوم يعملون السّيئات ، وغاية عملهم إذا حضر أحدهم الموت قالوا «كيت وكيت» هذا وجه حسن ، ولا يجوز أن تكون «حتى» جارّة ل «إذا» أي : يعملون السّيّئات إلى وقت حضور الموت من حيث إنّها شرطيّة ، والشّرط لا يعمل فيه ما قبله ، وإذا جعلنا «حتّى» جارّة تعلّقت ب «يعملون» وأدوات الشّرط لا يعمل فيها ما قبلها ، ألا ترى أنّه يجوز «بمن تمرر أمرر» ، ولا يجوز : مررت بمن يقم أكرمه ، لأنّ له صدر الكلام ، ولأنّ «إذا» لا تتصرّف على المشهور كما تقدّم في أوّل البقرة ؛ واستدلّ ابن مالك على تصرّفها بوجوه :
منها جرها ب «حتّى» نحو : (حَتَّى إِذا جاؤُها) [الزمر : ٧١](حَتَّى إِذا كُنْتُمْ) [يونس : ٢٢] وفيه من الإشكال [ما ذكرته لك] وقد تقدم تقرير ذلك عند قوله ، (حَتَّى إِذا بَلَغُوا) [النساء : ٦].
فصل
دلت هذه الآية على أنّ من حضره الموت وشاهد أهواله (٤) لا تقبل توبته ، ويؤيّده أيضا قوله تعالى (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر : ٨٥].
وقال في صفة فرعون (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)(٥) [يونس : ٩٠ ، ٩١] وقوله (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ (٦) قائِلُها) [المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠] وقوله (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : والحمد له.
(٣) في ب : منها.
(٤) في ب : أحواله.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في ب.