وقيل : المراد ضعفة المؤمنين ، وهو اختيار جماعة من المفسّرين (١) ، قالوا : والتّبطئة بمعنى الإبطاء ، وفائدة هذا التّشديد تكرّر الفعل منه.
حكى أهل اللّغة أن العرب تقول : ما بطأ بك يا فلان عنّا ، وإدخالهم الباء يدلّ على أنّه في نفسه غير متعدّ (٢) ، فعلى هذا معنى الآية : أن فيهم من يبطىء عن هذا الفرض ويتثاقل عن الجهاد ، وإذا ظفر المسلمون ، تمنّوا أن يكونوا معهم ليأخذوا الغنيمة.
قال : هؤلاء هم الّذين أراد الله بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ) [التوبة : ٣٨] ، قال : ويدلّ على أنّ المراد بقوله : «ليبطئن» (٣) الإبطاء منهم لا تثبيط غيرهم قوله : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ) عند الغنيمة ، ولو كان المراد : تثبيط الغير ، لم يكن لهذا الكلام معنى.
وطعن القاضي في هذا القول : بأنه ـ تعالى ـ حكى أن هؤلاء المبطّئين ، يقولون عند مصيبة المؤمنين : (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) فيعدّ قعوده عن القتال نعمة من الله ـ تعالى ـ ، وهذا إنما يليق بالمنافق ، وأيضا لا يليق بالمؤمنين أن يقال لهم : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ)، يعني الرّسول «مودة» (٤) ، ثم قال : وإن حمل «ليبطئن» على أنه من الإبطاء والتّثاقل ، صح في المنافقين ، لأنهم كانوا يتثاقلون.
قوله : (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ)(٥) أي : قتل وهزيمة «قال قد أنعم الله علي» بالقعود ، و (إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) ، أي : شاهدا حاضرا في تلك الغزوة ، فيصيبني ما أصابهم ، و (إِذْ لَمْ أَكُنْ) ظرف ناصبه : (أَنْعَمَ اللهُ) ، «ولئن أصابكم فضل من الله» (٦) أي : ظفر وغنيمة ، «ليقولن» هذا المنافق (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) [الآية] الجمهور على فتح لام «ليقولن» لأنّه فعل مسند إلى ضمير «من» مبني على الفتح لأجل نون التّوكيد ، وقرأ الحسن (٧) بضمّها ، فأسند الفعل إلى ضمير «من» أيضا [لكن](٨) حملا له على معناها ؛ لأن قوله : (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) في معنى الجماعة والأصل : ليقولوننّ وقد تقدّم تصريفه.
قوله : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ) هذه «كأن» المخفّفة [من الثّقيلة](٩) وعملها باق عند البصريّين ، [وزعم الكوفيّون أنها حين تخفيفها لا تعمل كما لا تعمل «لكن» مخفّفة عند الجمهور ، وإعمالها عند البصريّين](١٠) غالبا في ضمير الأمر والشّأن ، وهو واجب
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٤٢.
(٢) في ب : منعقد.
(٣) في ب : ليثبطن.
(٤) في ب : مودة يعني الرسول.
(٥) سقط في أ.
(٦) في ب : حرف.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٠٣ ، والدر المصون ٢ / ٣٩٠.
(٨) سقط في ب.
(٩) سقط في أ.
(١٠) سقط في ب.