أحدهما : الابتداء ، والجار قبلها خبرها ، والجملة خبر (الَّذِينَ اتَّقَوْا).
ثانيهما : الفاعلية ؛ لأن الجارّ قبلها اعتمد بكونه خبرا ل (الَّذِينَ اتَّقَوْا). وقد تقدم أن هذا أولى ، لقربه من المفرد.
فإن جعلنا رفعها بالابتداء جاز في (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وجهان : الرفع على النعت ، والنصب على الحال من الضمير المرفوع في «لهم» لتحمّله ـ حينئذ ـ ضميرا.
وإن جعلنا رفعها بالفاعلية تعيّن أن يكون الجملة بعدها في موضع رفع ؛ نعتا لها ، ولا يجوز النصب على الحال ، لأن «لهم» ليس فيه ـ حينئذ ـ ضمير ؛ لرفعه الظاهر.
و «خالدين» نصب على الحال من الضمير في «لهم» والعامل فيه معنى الاستقرار.
قوله : «نزلا» النّزل : ما يهيّأ للنزيل ـ وهو الضيف.
قال أبو العشراء الضبي : [الطويل]
١٧٢٤ ـ وكفّا إذا الجبّار بالجيش ضافنا |
|
جعلنا القنا والمرهفات له نزلا (١) |
هذا أصله ، ثم اتّسع فيه ، فأطلق على الرزق والغذاء ـ وإن لم يكن لضيف ـ ومنه قوله تعالى : (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) [الواقعة : ٩٣] وفيه قولان ، هل هو مصدر أو جمع نازل ، كقول الأعشى : [البسيط]
١٧٢٥ ـ ............ |
|
أو تنزلون فإنّا معشر نزل (٢) |
إذا تقرّر هذا ففي نصبه ستّة أوجه :
أحدها : أنه منصوب على المصدر المؤكّد ، لأن معنى (لَهُمْ جَنَّاتٌ) : ننزلهم جنات نزلا ، وقدّره الزمخشريّ بقوله : «كأنه قيل : رزقا ، أو عطاء من عند الله».
ثانيها : نصبه بفعل مضمر ، أي : جعلنا لهم نزلا.
ثالثها : نصبه على الحال من «جنّات» لأنها تخصّصت بالوصف.
رابعها : أن يكون حالا من الضمير في «فيها» أي منزّلة ـ إذا قيل بأنّ «نزلا» مصدر بمعنى المفعول نقله أبو البقاء.
__________________
(١) ينظر البيت في حاشية الشهاب ٣ / ٩٤ ، والبحر ٣ / ١٥٤ والكشاف ١ / ٤٩١ ، و ٤ / ٥٩ والدر المصون ٢ / ٢٩١.
(٢) عجز بيت وتمامه :
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا |
|
أو تنزلون فإنا معشر نزل |
هذه هي الرواية المشهورة ورواية الديوان هي :
قالوا : الركوب ، فقلنا : تلك عادتنا |
|
أو تنزلون فإنا معشر نزل |
ينظر ديوانه (١١٣) والخزانة ٨ / ٥٥٢ والمغني ٢ / ٩٩٣ والصاحبي (٤٧٠) والهمع ٢ / ٦٠ وشواهد الكتاب ١ / ٤٢٩ وإعراب النحاس ١ / ٦٣١ والدرر ٢ / ٧٦ والمحتسب ١ / ١٩٥ وشرح الكافية ٢ / ٢٤٨ ورغبة الآمل ٦ / ٢٧ والأمالي الشجرية ٢ / ٩٦٥ والدر المصون ٢ / ٢٩١ ، ١٧٢٥.