فأخذ منها الطفل (وهو يتلوَّى من شدّة الحرّ والعطش ، وكان يُغمى عليه ، وقد غارت عيناه ، وذبلت شفتاه) ، وتوجّه نحو القوم ، وقال : «يا قَوم ، قَدْ قَتلُتمْ أخي وأولادي وأنصاري ، وما بَقِيَ غَيرَ هذا الطفل ، وَهوَ يَتلظّى عَطَشاً مِنْ غيرِ ذَنبٍ أتاهُ إليكمُ ؛ فاسْقوهُ شَربةً منْ ماء».
وفي (نفس المهموم) قال عليهالسلام : «يا قومَ ، إنْ لَمْ ترحَمُوني فارْحَموا هذا الطفل».
فاختلف القوم فيما بينهم ، فمنهم مَنْ يقول : اسقوه الماء ، ومنهم مَنْ يقول : لا تسقوه الماء.
فقال بعضهم : إن كان للكبار ذنب فما ذنب الصغار ، وإنّه لطفل رضيع؟!
فصاح بهم الإمام الحسين عليهالسلام : «وَيَلكُمْ! خُذوهُ وأنتمْ اسْقوُه الماءَ».
فالتفت عمر بن سعد إلى حرملة بن كاهل ، وقال : اقطع نزاع القوم يا حرملة.
فقال هذا اللعين : أأعطيه شربة ماء؟!
فقال ابن سعد : بل ، ألا ترى إلى بياض نحر الطفل في حجر والده؟
فوضع حرملة بن كاهل (وقيل : عقبة بن بشير الأزدي) سهماً في قوسه ورماه به ، فوقع في نحر الطفل فذبحه من الوريد إلى الوريد ، فلما أحسَّ بحرارة السهم أخرج يديه من القماط ، وراح يرفرف بهما على صدر والده العظيم كالطير المذبوح ، فراح عليهالسلام يتلقّى دمه الشريف في يديه ويرميه إلى السماء ؛ لكي لا يقع إلى الأرض ، فلم تسقط منه قطرة ، كما يؤكّد الإمام الباقر عليهالسلام في روايته.