يقول الجصّاص : ومن الناس مَنْ يقول أنّ السجود كان لله ، وآدم بمنزلة القبلة لهم ، وليس هذا بشيء ؛ لأنّه يوجب أن لا يكون في ذلك حظّ من التفضيل والتكرمة ، وظاهر ذلك يقتضي أن يكون آدم عليهالسلام مفضلاً مكرماً.
ويدلّ أنّ الأمر بالسجود قد كان أراد به الله تكرمة آدم عليهالسلام وتفضيله ، وقول إبليس فيما حكى الله عنه : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) (١).
فأخبر إبليس أنّ امتناعه من السجود لأجل ما كان من تفضيل الله وتكرمته لآدم بأمر إيّاه بالسجود له. ولو كان الأمر بالسجود على أنّه نصب قبلة للساجدين من غير تكرمة له ولا فضيلة ، لما كان لآدم في ذلك حظّ ولا فضيلة يُحسد عليها كالكعبة المنصوبة للقبلة (٢).
وعلى هذا فمفهوم الآية هو : أنّ الملائكة سجدوا لآدم بأمر الله سجوداً واقعيّاً ، وأنّ آدم أصبح مسجوداً للملائكة بأمر الله ، وهنا أظهر الملائكة من أنفسهم غاية الخضوع أمام آدم عليهالسلام ، ولكنّهم مع ذلك لم يكونوا ليعبدوه (٣).
هل السجود ليوسف عليهالسلام عبادة؟
إنَّ العودة إلى القرآن الكريم واستعراض الآيات التي تحدّثنا عن سجود آخر ولا عبادة للمسجود له ، تضعنا أمام قصّة نبيّ الله يوسف عليهالسلام وأبويه وإخوته ،
__________________
١ ـ سورة الإسراء : الآية ٦١ ـ ٦٢.
٢ ـ أحكام القرآن ١ ص ٣٠٢.
٣ ـ التوحيد والشرك في القرآن الكريم ص ٥٢.