واللافت أنّ هذا النظر الفلسفي هو ذاته يصدر من قيمة أخلاقيّة مائلة في أنّ كرامة الإنسان تمنع عليه أن يُميت عقله ، ويجمِّد فكره ، ويضيّق على منطقة عالم الرحب والسعة ، مؤمناً بأنّ الإنسانيّة ما برحت دائبة التحفّز والعمل في أجواء التقدّم والإبداع (١).
وفي الحقيقة يمكننا القول : إنّ الفلسفة الأخلاقيّة هي جماع آراء الفلاسفة الأخلاقيين ، وقد كثرت المذاهب الأخلاقيّة بتعدد المذاهب الفلسفية ، حتّى صار بوسعنا أن نتحدّث عن أنواع ، ونستعرض نماذج من الأخلاق النظرية ، أو النظريات الأخلاقيّة ، يساوي عددها عدد أصحاب تلك النظريات أو المذاهب. وعدد هؤلاء ما زال بازدياد كلّما امتدّت بنا الأيام ، ولن نقف عند ذاك الاستعراض الممل للأقوال من أفلاطون ومدينته الفاضلة ، وأرسطو وشروحه ، وأبيقور وتخرّصاته ، والرواقيين وفذلكاتهم ، ولا حتّى الفارابي وابن سينا والغزالي وإضافاتهم ، ولا حتّى الفلسفات المعاصرة كلّها ؛ لأنّ الوقوف عندها ممل ومقيت ، والواقف عليها لا بدَّ له من أن يفقد أخلاقه ، هذا إذا لم يفقد عقله لشدّة تباينها واختلافاتها وفراغها الروحي.
المبادئ الأخلاقيّة
بداية لا بدَّ من القول أنّ المبدأ بوجه عام هو أوّل كلّ أمر ؛ سواء أكان بصورة مطلقة ، أم بصورة نسبية ، أو كان بحسب الترتيب الزمني ، أو المنطقي ، أو غير ذلك.
__________________
١ ـ الفلسفة الأخلاقيّة ص ١٦.