فَخَنثَه فشربتُ وسقيتُ فرسي (١).
أرأيت مثل هذا الفعل ، أو سمعت بمثله؟!
جيشٌ يأتي إليه ليحاربه وبهذا الحجم الضخم الفخم ؛ (لأنّه طليعة الجيش وعادة يكون من أفضل الفرسان والمقاتلين) ، يلتقون به وهم على شفا الهلاك والهاوية (هم ودوابّهم) من شدّة العطش وحرِّ الظهيرة ، فبدلاً من أن يبيدهم عن آخرهم ويغنم كلّ ما معهم من خيول وجمال ومتاع ، وكان ذلك سهلاً عليه ، يسقيهم ويرشف خيولهم ليقويهم على نفسه الشريفة ، وعلى أصحابه الأفاضل الكرماء ، وهم قادمون له ليقتلوه ومَنْ معه جميعاً ، مع إنّ الحسين وأهل بيته وأصحابه كانوا بحاجة إلى هذا الماء في تلك الصحراء القاحلة.
وتنقل كتب السيرة أنّ أحد أصحابه قال له عليهالسلام : يا مولاي دعنا نقاتل هؤلاء ونغتنم ما هم فيه ؛ فإنّ قتالهم علينا أسهل.
فقال عليهالسلام : «ما كنت لأبدأهم بقتال».
إنّ هذا لعجب عجاب!
ولكن ، لو تدري يا عزيزي القارئ ما الذي فعله هؤلاء وجيشهم العرموم على بطاح كربلاء ، وحين التقوا بالإمام الحسين عليهالسلام وأهله وأصحابه ، وأحاطوه إحاطة السوار بالمعصم ، أو القلادة بالجيد؟!
أوَ تدري أنّ أوّل سلاح استخدموه ـ من خِستِّهم ودناءتهم ، وحقارة أنفسهم ، وتفاهة قادتهم ـ هو التعطيش بمنع الماء عن معسكر الإمام الحسين عليهالسلام ومَنْ معه
__________________
١ ـ إرشاد المفيد ٢ ص ٧٧ ـ ٧٨.