الخبز اليابس ، فقالوا : هلمَّ يابن رسول الله ، فأكل معهم ، وأجاب دعوتهم ، ثمّ تلا : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (١).
ثمّ قال : «قَدْ أجبتُكمْ فأجيبوني».
قالوا : نعم يابن رسول الله ، ونُعمى عين ، فقاموا معه حتّى أتوا منزله.
فقال للرباب (زوجته) : «أخرجي ما كُنتِ تدَّخرين». فأخرجت ما عندها من نقود فناولها لهم (٢).
وفي حادثة أُخرى ترويها كتب السيرة العطرة للإمام الحسين عليهالسلام ، والتي تفيض عذوبة ومهابة وأخلاقاً نورانيّة ، أنّه عليهالسلام مرَّ على فقراء يأكلون كسراً (خبزاً يابساً) من أموال الصدقة ، فسلَّم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم ، وقال : «لولا أنَّه صدقة لأكلتُ معكم». ثمّ دعاهم إلى منزله ، فأطعمهم وكساهم ، وأمر لهم بدراهم (٣).
نعم ، لقد اقتدى المولى أبو عبد الله عليهالسلام بجدّه المصطفى صلىاللهعليهوآله ، وسار بسيرته العطرة ، واهتدى بهداه ، فكان يخالط الفقراء ويجالسهم ، ويفيض عليهم ببرّه وفضله وإحسانه حتّى لا يتأثّر الفقير بفقره ، ولا يبطر الغني بماله. وهذا إن دلَّ على شيء يدلّ على قمَّة التواضع ، وهو درس لِمَنْ يريد قيادة الأُمّة نحو الهداية والخلاص ، وفي الجانب الإنساني للإمام الحسين عليهالسلام تتجلّى إنسانيّة الإنسان ،
__________________
١ ـ سورة النحل : الآية ٢٣.
٢ ـ تاريخ ابن عساكر ٣ ص ٥٤.
٣ ـ أعيان الشيعة ٤ ص ١٤٠.