الهيبة لجعفر الصادق بن محمد ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور. التفت إليَّ ـ يعني المنصور ـ فقال : يا أبا حنيفة ، ألْقِ على أبي عبد الله من مسائلك.
فجعلتُ ألقي عليه ، فيجيبني فيقول : «أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا» ، فربما تابعنا وربما تابعهم ، وربما خالفنا جميعاً حتّى أتيت على الأربعين مسألة ، وما أخلّ منها بمسألة. ثمّ قال أبو حنيفة :
إنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس (١).
أمّا مالك بن أنس إمام المذهب المالكي يقول محمد أبو زهرة : لقد كنت آتي جعفر بن محمد وكان كثير المزاح والتبسّم ، فإذا ذُكر عنده النبي صلىاللهعليهوآله اخضرّ وأصفرّ ، وقد اختلفت إليه زماناً ، فما كنتُ أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال : إمّا مصلّياً وإمّا صائماً وإمّا يقرأ القرآن ، وما رأيته قد يحدّث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله إلاّ على طهارة ، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء العبّاد الزهّاد الذين يخشون الله ، وجعل يعدّد فضائله (٢).
إنّ التعدّد والتنوّع في المدارس الفكريّة والفقهيّة ، واختلاف آراء العلماء والفقهاء هو نتيجة طبيعيّة لمبدأ الاجتهاد ، وفي معرفة مفاهيم الدين وأحكامه ، وإذا كان الإجهاد مطلوباً ، بل ومفروضاً ؛ حيث يرى أغلب علماء الأُمّة أنّه فرض وواجب كفائي على المسلمين في كلّ زمان ومكان.
__________________
١ ـ كتاب تاريخ المذاهب الإسلاميّة ص ٦٩٣.
٢ ـ المصدر نفسه ص ٣٩٧.