ففي عام ١٤٢١ هجرية أوّل ما نزلنا المدينة المنوّرة حيث يطيب لنا الجلوس بها ؛ لأنّ هواؤها عليل وماؤها طيّب ، وفيؤها ظليل ، كيف لا وقد دعا لها رسول الله صلىاللهعليهوآله أوّل ما نزل فيها ، فكانت تُسمّى (يثرب) ؛ لشدّة قساوة الحياة فيها ، حيث الرطوبة العالية والحرارة الشديدة ، فما كان ينزل بها أحد غريب إلاّ ويمرض بسبب فساد الماء والهواء فيها. فعندما هاجر إليها الحبيب المصطفى صلىاللهعليهوآله شكوا إليه حالها ، وطلبوا منه الدعاء لها ، فقال : «اللّهمَّ طيّبْ ريحها» ؛ فتحولّت إلى أطيب مدينة في العالم.
فصارت (طيبة) لطيب العيش فيها ، ووجود الروضة الشريفة ، والضريح المبارك للرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ، وآثار الرسالة ، ممّا زادها مهابة وروحانيّة جمالاً وكمالاً ، كيف لا وأنفاس رسول الله وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) تتردّد في جنباتها الأربعة.
ولكنّ الذي يعكِّر صفو العيش ويكدّر الحياة فيها ، وجود العناصر العنيفة بأشكالهم الغريبة ، وأخلاقهم الفظّة ، وكلماتهم الجارحة ، ونظراتهم الحاقدة الذين يرون أنّهم على الحقّ المبين ، وأنّ غيرهم كفّار أو مشركون.
وذات مرّة ، وفي ليلة الجمعة (مساء الخميس) كنّا نقرأ دعاء كميل ، ذاك الدعاء العظيم الشأن الذي علَّمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام لصاحبه كميل بن زياد النخعي ؛ فعُرف باسمه ، وهو دعاء الخضر عليهالسلام ، ويجدي ويفيد في ردّ الأعداء ودفع غائلتهم ، وفتح باب الأرزاق ، وغفران الذنوب ، وهو من الأدعية المشهورة جدّاً.
كان ذلك في ساحة ما بين المسجد النبوي الشريف ، ومقبرة البقيع المقدّس ،