بجماعات من الهنود التي كانت راجعة من زيارة هذه المقبرة ، وكان الذي يتقدّم هذه الجماعات من الهنود رجلاً مسنّاً ذا لحية طويلة وقد خطَّ الشيب سوداها. كان وهو يمشي منتصب الرأس لا يحرّك عينيه يمنة ولا يسرة ، ينظر إلى الأمام على الدوام ، والدموع تنحدر من عينيه بتيار مستمر ، أمّا الذين كانوا يسيرون وراءه فقد نظروا إلينا نظرة خاطفة ، ثمّ حوّلوا أنظارهم إلى الأمام بسرعة ، ثمّ بعد ذلك وصلنا إلى مرتفع بسيط ، وعندئذٍ عرفت سبب الحزن الذي كان يبدو على الهندي المسنّ ، والذي كانت الدموع تنهمر من عينيه ، فقد كانت هناك بين أيدينا على الأرض قطعة من الخشب يظهر أنّها مقلوعة من صندوق خشبي كان موضوعاً على أحد القبور ، فعلمت أنّه كان يبكي على هذه القطع من الأخشاب التي كانت من بقية الصناديق التي توضع على قبور المسلمين سابقاً ، ورأيت هندياً آخر كان جالساً بجنب خشبة وهو يبكي وينتحب على مصير قبور المسلمين المهدّمة (١).
لا يا مستر ، لا يبكون على الأخشاب ، ولا ينتحبون على صناديق ، بل كانوا يبكون على أئمّتهم وسادتهم وقادتهم في هذه الحياة.
كانوا يبكون أصحاب القبور والأضرحة ؛ لأنّنا لا نبكي على الحجارة والحديد والأخشاب كما يتصوّر ويعتقد الوهابيّة السلفيّة! بل نبكي على تلك الأجساد الطاهرة والأرواح الزاكيّة لأئمّة المسلمين من آل ياسين عليهمالسلام.
وقد نادى القائل :
أمرُّ على الديارِ ديارِ ليلى |
|
اُقبِّل ذا الجدارِ وذا الجدارا |
وما حبّ الديارِ شغفنَ قلبي |
|
ولكن حبُّ مَنْ سكنَ الديارا |
__________________
١ ـ قبور أئمة البقيع قبل تهديمها ص ٨٥ ـ ٨٦.