والحكماء قالوا : فضائل الملكات أوساط ، ورذائلها أطراف وانحرافات.
هذا قول أرسطو ، وهو صحيح ، ويؤيّده ما جاء في تعاليم ديننا الحنيف ، وأقوال علمائنا الكبار ، وسلفنا من الأبرار الذين قالوا : إنّ الفضيلة وسط بين رذيلتين ؛ هما الإفراط والتفريط. فالإفراط : رذيلة بجهة الإيجاب. والتفريط : رذيلة بجهة السلب.
وربّنا سبحانه وصف هذه الأُمّة بالوسيطة ، فهي أُمّة وسطى للشهادة على الأُمم ، أي الأُمّة المعتدلة الثابتة على الوسط ، فلا تميل إلى جهة دون جهة ؛ لأنّ الميلان والانحراف والزيغ كلّه رذائل ، نهى عنها ربّنا الكريم ورسولنا العظيم صلىاللهعليهوآله وأئمّتنا الأطهار عليهمالسلام ، وعلماؤنا الأبرار منذ القديم وإلى هذا اليوم. قال تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (١).
وكلّ شيء عندنا يجب أن يُصبغ بصبغة الدين الذي هو عند الله الإسلام ، ولا يمكن أن يُنظر إلى مسألة من المسائل بانعزال عن هذا الأساس الإلهي ، وأمير المؤمنين عليهالسلام يقول : «أوّل الدين معرفته» (٢).
أي أنّ أوّل التديّن وبدايته أن نعرف الله سبحانه وتعالى ، وبعد ذلك نتعرّف على كلّ شيء بالله ، فكما أنّ «أوّل الدين معرفته» حيث تشكّل معرفة الله سبحانه الحجر الأساس للدين ، فكذا معرفة الله تشكّل الحجر الأساس
__________________
١ ـ سورة البقرة : الآية ١٤٢.
٢ ـ نهج البلاغة ـ الخطبة الأولى.