لأنّ الخاصّة تعرف من الخير الأعلى مثالية سامية لا تدركها عقول العامّة ، وللعامّة في تحديده رأي قصير لا تذعن له الخاصّة.
لأنّ العامّة تدرك من الخير الأعلى معنىً بسيطاً تحدّده لها أنظار بسيطة ، بحيث ترى أنّ السعادة هي الثروة والمال ، والصحة والرفاه ؛ لأنّها لا تعرف من الخير الأعلى غير هذا وما يشبهه ، والخاصَّة لا ترى في ذلك ما يسمّى كمالاً ؛ ولا تعدُّ الحصول عليه سعادة إلاّ إذا كان للسعادة معنى آخر.
وكمال النفس عند هؤلاء ارتقاؤها إلى المراتب العقلية الرفيعة ، واستيفاؤها حظّها من الإنسانيّة الكاملة ، وبين هاتين الطائفتين طبقات متوسطة تعرف من الكمال ومن الخير الأعلى غير ما يعرفه هؤلاء جميعاً فتكون السعادة عندهم شيئاً آخر (١).
وأرسطو يقول في تعريف الخير : (الخير : هو موضوع جميع الآمال).
ويقول فيلسوف آخر : (الخير : ما يتشوّقه الجميع).
ويقول ثالث : (هو ما يقصده الجميع في أعمالهم).
والملاحظ لهذه التعاريف يجد أنّ بينها فروقاً واضحة ، إلاّ أنّها تجتمع على الجهة التي ذكرت آنفاً.
ولفظ الخير عند الخلقيين القدماء يحكي معنيين متناسبين ، وللتفرقة بينهما يصفون أحدهما بالخير المطلق ، والثاني بالخير المضاف.
والتعاريف المتقدّمة تحدّد الخير بالمعنى الأوّل (المطلق) ، وأمّا الخير المضاف
__________________
١ ـ الأخلاق عند الإمام الصادق عليهالسلام ص ٢٥.