سيَّر معاوية جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة ، وجعل عليهم سفيان بن عوف ، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم ، فتثاقل واعتلّ ، فأمسك عنه أبوه.
قال : فأصاب الناس في غزاتهم جوعٌ ومرض شديد ، فأنشأ يزيد يقول :
ما إن أُبالي بما لاقت جموعهمُ |
|
بالفَرقَدونة من حمّى ومن مُومِ |
إذا اتكأتُ على الأنماطِ مرتفقا |
|
بدير مُرّانَ عندي أُمّ كلثومِ |
وأُمّ كلثوم امرأته بنت عبد الله بن عامر. (هكذا قالوا والحقيقة بضمير الغيب) ، فبلغ معاوية شعره ، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم ، فسار معه جمع كثير أضافهم إليه أبوه (١).
وأنت تقرأ هذه السطور التي لخّص فيها العلماء حسنة يزيد بالخروج إلى أرض الروم ، تلك الحسنة التي كانت رغماً عن أنفه ، وليس بشجاعته أو صولته وجولته ؛ لأنّه لا يصول ويجول إلاّ في أحضان النساء.
إنّ مدى تعلّقه بالجهاد ، وحبّه للفتوح الإسلاميّة واضح للعيان ، ومدى اهتمامه بذاك الجيش الجرّار من المجاهدين كذلك ، فهو (ما إن أبالي بما لاقت جموعهم) ، كيف يبالي إذن وهو (بدير مران) ذاك الدير النصراني معتكفاً فيه لحاجاته وديانته يعبد هواه وشيطانه (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ) (٢).
حسنة يزيد يا شيخ ما هي إلاّ أتفه سيئة له ، فكيف صارت عندك حسنة
__________________
١ ـ الكامل في التاريخ ج٣ ص٤٥٨.
٢ ـ سورة الجاثية: الآية ٢٣.