وهنا يمكن أن يكون لدينا عدد من الصور لتفسير أو فهم هذا السجود الملائكي المقدّس لآدم عليهالسلام ، كما يذهب معظم أهل التفسير قديماً وحديثاً :
ـ يمكن أن يتصوّر : أنّ معنى السجود لآدم في هذه الآية هو الخضوع له ، لا السجود بمعناه الحقيقي المتعارف كسجود الصلاة.
ـ ويمكن أن يتصوّر : أنّ المقصود بالسجود لآدم عليهالسلام ، هو جعله (قبلة) كالكعبة المشرّفة ، لا السجود له سجوداً حقيقياً.
ولكن كلا التصوّرين باطلان بالدليل :
أمّا الأوّل : فلأنّ تفسير السجود في الآية بالخضوع خلاف الظاهر والمتفاهم العربي ؛ إذ المتبادر من هذه الكلمة في اللغة والعرف هو الهيئة السجودية المتعارف عليها لا الخضوع.
وأمّا الثاني : فهو أيضاً باطل ؛ لأنّه تأويل بلا مصدر يرجع إليه ، ولا دليل يدلّ عليه.
هذا مضافاً إلى أنّ آدم عليهالسلام لو كان قبلة للملائكة لما كان ثمة مجال لاعتراض الشيطان ؛ إذ قال : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (١).
لأنّه يلزم أبداً أن تكون القبلة أفضل من الساجد ، ليكون أيّ مجال لاعتراضه ، بل اللازم هو كون المسجود له أفضل من الساجد ، في حين أنّ آدم عليهالسلام لم يكن أفضل في نظر الشيطان ، وهذا ممّا يدلّ على أنّ السجود كان أمام مسجود له.
__________________
١ ـ سورة الإسراء : الآية ٦١.