يتكلّم في الفنون ، إلاّ أنّ في عقله شيئاً ، وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم ، (وهذا ديدن الهمج الرعاع الذين كانوا يعظّمون معاوية وعمرو بن العاص و ...) ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم بأمر أنكره الفقهاء (التجسيم والتشبيه). قال : وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أن قال : (إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا) ونزل درجة من المنبر ثمّ صعد ليكمل!
فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه (ابن تيمية) وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطت عمامته ، وظهر على رأسه شاشيّة حرير (وهو محرّم على رجال أُمّة محمد صلىاللهعليهوآله ، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك (١) (أي جلده وأقام عليه الحدّ).
هذه عقيدة القوم يا أهل الإيمان!
__________________
= وهاجرت أسرته إلى الشام واستقرّت هناك ، وكانت آراؤه الكثيرة المنحرفة تخالف آراء الفقهاء ، فكفّروه واشتدّت العداوة بينه وبينهم حتّى بدأ ولاة مصر يستمعون للشكايات المثيرة ، ومنها شكايات الصوفية.
لم يقيّد ابن تيمية نفسه باتّباع مذهب أحمد بن حنبل ، وكان من المسائل الكلامية يغالي في التوحيد ، وفي زمانه رحّب الناس به واستمعوا إليه وأعجبوا به ، وتعصّب له فريق ، ولكنّ دعوته لم تلقَ التأييد ، فظلّت راكدة إلى أربعة قرون ونصف ، حيث حملها محمد بن عبد الوهاب مؤسّس الحركة الوهابيّة إلى شبه الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري.
١ ـ رحلة ابن بطوطة ص ٩٥.