قال : وكان الحسين بن علي عليهالسلام واقفاً يصلّي ، فخفّف من صلاته وخرج إلى الأعرابي ، فرأى عليه أثر ضرّ وفاقة ، فرجع ونادى بقنبر ، فأجابه : لبيك يابن رسول الله.
قال عليهالسلام : «ما تبقّى معكَ مِنْ نفقتنا؟».
قال : مئتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك.
قال عليهالسلام : «هاتها ؛ فقدْ أتى مَنْ هو أحقُّ بها منهم». فأخذها وخرج يدفعها إلى الأعرابي ، وأنشأ عليهالسلام :
خُذها فإنّي إليكَ معتذرٌ |
|
واعلمْ بأنّي عليكَ ذو شفقه |
||
لو كان في سيرنا الغداةُ عصا |
|
كانت سمانا عليك مُندفقه |
||
لكنَّ ريب الزمان ذو نكدٍ |
|
والكفُّ منّا قليلةُ النفقه |
||
فأخذها الأعرابي وولَّى وهو يقول :
مطهّرون نقّياتٌ جيوبهمُ |
|
تجري الصلاةُ عليهم أينما ذُكروا |
وأنتمُ أنتمُ الأعلَون عندكمُ |
|
علمُ الكتابِ وما جاءت بهِ السورُ |
مَنْ لم يكن علويّاً حين تنسبه |
|
فما لهُ في جميعِ الناسِ مُفتخرُ (١) |
فهل رأيت أخي الكريم مثل هذا الجود والكرم الحسيني؟ وهذه العفّة والنفسيّة حيث تراه يفيض منها بلا تكلّف ؛ لأنّ الدنيا عنده لا تساوي عفطة عنز كما كان أبوه الأمير عليهماالسلام يقول ، إذ الدنيا للعطاء والتباذل خُلقت ، وليس للجمع والكنز ، فلمَنْ؟ ولماذا؟!
__________________
١ ـ تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين) ص ١٦٠ ، أعيان الشيعة ١ ص ٥٧٩.