أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقطعها عسلانُ الفلوات بين النّواويس وكربلا ، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً ، وأجربة سُغباً ، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويُوفيّنا أجور الصّابرين ، لن تشذّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقرُّ بهم عينه ، وينجز لهم وعده. مَنْ كان فينا باذلاً مهجته ، وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ؛ فإنّي راحلٌ مُصبحاً إن شاء الله» (١).
أخي الكريم ، هل قرأت أو سمعت بمثل هذا الكلام البليغ؟ وهل يخطر بذهنك أنّ قائد ثورة تغييريّة يقوم في وجه دولة قائمة يصرّح بمثل هذا البيان (بالموت والشهادة) لكلّ مَنْ يذهب معه؟!
نعم ، الصراحة قمّة الشجاعة الأدبيّة ، والتعاطي والتعامل معها قمّة الشجاعة العمليّة ، والصريح شجاع يعترف بنقاط قوّته ويعزّزها ، ويعترف كذلك بنقاط ضعفه ويعالجها. وهذا عادةً لا يتميّز به القادة العسكريون ؛ لأنّ للمعركة ظروفها الخاصّة وحالاتها وأحكامها ، والقائد الناجح بنظريات قادة الجيوش ، هو الذي يستطيع السيطرة على قوّاته في جميع مراحل القتال ، لا سيما في الظروف المعقّدة. وهذا قد يتطلّب التكتّم التام على المعلومات التي تؤثّر سلباً على معنويّات القوّات ونفسيّات الجنود ، والروح المعنوية أساس في ثبات الجند في كلّ معركة. أمّا قيادة الإمام الحسين عليهالسلام فكانت استثناء من هذا كلّه ، ونهضته فريدة في هذه الحياة كلّها.
__________________
١ ـ كشف الغمة ٢ ص ٢٠٣ ، اللهوف ص ٢٦.