كان هذا واضحاً في المدينة المنوّرة منذ البداية ، وفي مكة المكرّمة كان الأمر أوضح ، وكان الإمام به أصرح ؛ فإنّه عندما عزم على الرحيل من مكة المكرّمة في يوم التروية ، والناس يستعدّون للخروج إلى عرفات ، دبَّ الخبر أنّ الحسين بن علي عليهالسلام سوف يخرج إلى العراق ، وذلك بعد الخطبة التي أوردناها ، وسمع بذلك أهل الموقف والموسم.
وفي الليل جاءه أخوه محمد بن الحنفية رضياللهعنه فقال له : (يا أخي ، إنّ أهل الكوفة مَنْ قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك حال مَنْ مضى ، فإن رأيت أن تقيم ؛ فإنّك أعزّ مَنْ في الحرم وأمنعه).
فقال عليهالسلام : «يا أخي ، قد خفتُ أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم ، فأكونَ الكبش الذي تُستباحُ به حرمةُ هذا البيت».
فقال له ابن الحنفية : (فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن ، أو بعض نواحي البَرّ ؛ فإنّك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك أحد).
فقال عليهالسلام : «أنظُرُ فيما قُلتَ».
فلمّا كان السَّحر ، ارتحل الحسين عليهالسلام فبلغ ذلك ابن الحنفية ، فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها ، فقال له : (يا أخي ، ألم تعدني النظر فيما سألتك؟!).
قال عليهالسلام : «بلى».
فقال : (فما حداك على الخروج عاجلاً؟!).
قال عليهالسلام : «أتاني رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد ما فارقتك فقال : يا حسين ، اخرجْ فإنَّ الله شاء أن يراكَ قتيلاً».